اليوم، بعد أن كشفت الأيام الأولى للحرب بأوكرانيا حجم الوهم الذي كان هؤلاء يتاجرون به أو يؤمنون به عن "حسن" نية وإيمان بالمبادئ التي أراد الغرب والشرق أيضا تسويقها على أنها "حضارة كونية" أو حق إنساني"، صارت المراجعة أمرا حتميا لا هروب منه أو فكاك.
يبدو أننا لن نخلف الموعد مع التاريخ، فنحن حلقة أصلية في فسيفساء التأسيس والتكريس لمرحلة الانتقال من نظام الشخص "الأقدر" لمرحلة الشخص "الأضعف" اختيارا أوحد للقيادة والحكم.
يبدو أن العقل الأمني انتصر في تحديد سيناريو إنهاء قصة الطفل ريان، فمنطقة الريف وتاريخها مع السلطة المركزية لم تكن دوما على ما يرام، لكن الدولة التي أعادت الجثمان ليصلى عليه ويوارى الثرى بقريته النائية، كانت أقدر على أن تواجه الجموع بالحقيقة ومعها الملايين ممن تابعوا الحكاية.
"لن تقبل الحكومة بالمطلق حرق جثة مهاجر مغربي بفرنسا.. القطاع الحكومي المعنيّ يتابع الموضوع.. نرجو أن تقع مراجعة الحكم القضائي الابتدائي؛ لأن الأمر فيه مسّ واضح بكرامة المواطن المغربي وبشعور عائلته".
كيف إذن سيكون الحال في جغرافيا "الوطن العربي"، حيث توصي الجامعة العربية منظماتها الموازية باعتماد خريطة بلا حدود في واقع تطبعه المنازعات الحدودية المزمنة الموروثة عن الاستعمار، أو واقع حدوده المعترف بها محكمة الإغلاق إلا في وجه المهربين والمجرمين وربما نعوش الموتى في بعض الحالات؟
الآن وقد وضعت "الحرب الكروية" أوزارها أو تكاد، سيشجع المغاربة، لا محالة، منتخب الجزائر في مواجهة التونسيين. ولكل راغب في البحث عن تفسير عقلاني للأمر، أن يسارع إلى حجز موعد بعيادة نفسية أو مستشفى مجانين.
الجمهوريون الديغوليون لم يجدوا من رد على "اكتساح" أفكار زمور اليمينية المتشددة للفضاءين الإعلامي والعام بفرنسا غير محاولة الدفع بـ "إيريك سيوتي" مرشحا محتملا للرئاسيات، بعد أن بوؤوه الصدارة في المرحلة الأولى من الانتخابات الحزبية الداخلية. سيوتي كائن كاريكاتوري في الفضاء السياسي الفرنسي كما زميله
"الشعب الليبي العظيم.. قد دقت ساعة الحقيقة"، بهذه الكلمات افتتح سيف الإسلام القذافي، نجل العقيد معمر القذافي، حسابا له على تويتر يدعو فيه الليبيين إلى التوجه لمكاتب المفوضية العليا للانتخابات لاستلام بطاقاتهم الانتخابية في أفق المشاركة في "انتخابه" رئيسا للبلاد.
على مر الشهور الأخيرة استخدمت الدولة الجزائرية ما امتلكت من أوراق ضد الجارة الغربية، كما صار المغرب يسمى في الإعلام، فقد قطعت العلاقات الديبلوماسية وأغلقت الأجواء، وطردت عددا من المغاربة من أراضي جزائرية كانوا يعتاشون عليها على الحدود، واتهمت الأجهزة الأمنية بالتجسس..
حرق الأجساد لم يعد ينفع مع منقلب يعتبر معارضيه مجرد جراثيم وحشرات وخونة وعملاء، ولا يتورع لإخفاء ضعفه ومهانته أمام الخراج في استنساخ أساليب قديمة في سحب الجوازات وإطلاق المحاكمات بزعم الحفاظ على "السيادة" المفترى عليها.
كذب ماكرون حين قال إن "الإسلام يواجه أزمة في كل أنحاء العالم"، ففرنسا هي التي صارت في عهده تواجه الأزمات أينما ولّت وجهها، حيث جرائم الماضي تتعقبها وجرائم الحاضر تشهد على "بشاعة" وجهها المتخفي وراء شعارات الأنوار، والبدء من الداخل الفرنسي
الخلاصة أن المغرب ودولته العميقة تمكن، مرة أخرى، من تسجيل "الاستثناء" بالتوافق مع التوجه الإقليمي والدولي المعلن في طي صفحة "حكم الإسلاميين" دونما حاجة لانقلاب دموي أو دستوري أو أية أداة خشنة أخرى كالتزوير الفج ولو إلى حين..
العلاقات المغربية ـ الجزائرية حالة مزمنة مستعصية لا يمكن حلها إلا بجلوس طرفي الصراع إلى التفاوض دون شروط أو أحكام مسبقة لعل ذلك يمنحهما الفرصة لبسط وجهات النظر المختلفة والبحث عن مبادئ عامة يمكن البناء عليها من جديد. هذا مجرد سيناريو حالم لا مجال ليتحقق إلا بمعجزة في زمن انتهت فيه المعجزات.
لقد أثبتت الأيام أن شعار "خاوة خاوة" التي تلوكه الألسن بشكل مناسباتي مجرد كلام تذروه الرياح. وهي الرياح نفسها التي يمكن أن تجري بما لا تشتهيه سفن البلدين؛ لتغرقهما في أتون حرب تنشدها قوى دولية وإقليمية وتبذل لأجلها السلاح والدعم والمال.
كان لزاما أن تتميز تونس في الانقلاب كما كانت في "الثورة"، فهي لم تحتج لمخرج من طينة خالد يوسف ليصور "الملايين" التي خرجت لحرق مقار حزب حركة النهضة دونا عنها من أحزاب الطيف التونسي وما أكثرها..