الانقلابات الأخيرة في المنطقة العربية -المنجز منها وما هو بصدد الإنجاز- عنوان خطير جدا من عناوين وعينا السياسي بأنفسنا اليوم أمةً عربية تسعى حثيثة إلى إعادة تأسيس كيانها السياسي كوحدة مستقلة ذات سيادة.
ليس في النصوص العربية وصف يصور حالة العجز التي بلغتها الأمة اليوم أمام واحدة من أكبر المآسي البشرية في التاريخ الحديث غير البكاء على أطلال سوريا التي خلفتها وحشية نظام الممانعة هناك.
انتصار الثورة المضادة ليس نهاية المسار فالانتكاسات الثورية متواترة في تاريخ التغيرات الاجتماعية عبر القرون، لكنه يمثل دائما نقطة انطلاق الحركة الثورية الجديدة التي تتأسس دائما على أخطاء الثورة المضادة..
اليوم تُحيي الثورة المضادة والدولة العميقة الذكرى الرابعة لهروب زعيمها التاريخي "بن علي" في مناسبة رمزية هامة من تاريخ تونس الحديث وهو 14 يناير / جانفي 2011.
لا شغل للإعلام الرسمي العربي ولنخب الاستبداد هذه الأيام بل ومنذ بداية ثورات الهامش إلا اقناعك بأن الربيع العربي كذبة كبرى، وبأن الثورات ليست إلا فوضى ودمار كبير، وهو رأي وجد طريقه إلى عقول الكثير من العرب بل حتى من المثقفين والنخب التي صارت تروج عن وعي وعن غير وعي لهذا الأكاذيب.
تونس زهرة الربيع العربي بامتياز، تونس هي أيضا آخر القلاع الصامدة إلى اليوم أمام شراسة قوى الردة العربية والدولية التي تسعى إلى إعادة المشهد العربي إلى المربع الأول.
"من لم ينتخبني سلفي إرهابي تكفيري جهادي"، هكذا عبّر الشيخ التسعينيُّ ومرشح الدولة العميقة مبعوث العناية الاستعمارية وممثل القوى الإقليمية والدولية المتآمرة على ثورات الربيع العربي، عن موقفه من صمود الثورة وأبناءها في وجه آلته الجهنمية التي تكاد تلحق الثورة التونسية بأختها المصرية. هالته الثورات التي عصفت بمصالح القوى الاستعمارية العظمى وهي اليوم تهدد مغانمها التاريخية ومكاسبها الكولونيالية تقع اليوم في عين الإعصار.
لا أحد في تونس يستطيع أن ينكر العودة الجسورة للحرس القديم من أركان نظام بن علي الرئيس الهارب ولا أحد يستطيع أن ينكر الفوز الساحق لحزب التجمع الدستوري الديمقراطي في ثوبه الجديد. لا أحد يستطيع أيضا أن ينكر كذلك تحلل الأحزاب الوسطية أو الأحزاب الثورية حديثة العهد بالممارسة السياسية في تونس وبتقدير المعطيات على الأرض وبالحسابات السياسية وموازين القوى المختلفة. المشهد الجديد لا يستقيم مع منطق الثورة التي جاءت من أجل القطع مع النظام القديم ومحاسبة المسئولين عن سنوات القمع والتعذيب ونهب المال العام وتجريف الوعي تجريفا خلف وراءه الصحراء التي نعلم في تونس. صحراء بن علي لا تقتصر على تدمير ممنهج لكل مقومات الدولة الحديثة من خلال "برنامج تجفيف الينابيع" الذائع الصيت خلال أوائل التسعينات بل تتجاوز ذلك إلى تفخيخ مختلف مفاصل الدولة بأشرس أنواع الاستئصالين.
وصف كل نشطاء التيار الثوري تقريبا ما حدث في تونس خلال الأيام الفارطة بأنه انقلاب ناعم على ثورة 17 ديسمبر الخالدة من داخل صناديق الاقتراع هذه المرة لا من خارجها أي من داخل العملية السياسية نفسها.