في تقرير سيقدم خلال هذا الشهر إلى لجنة مناهضة التعذيب التابعة للأمم المتحدة، قدمت منظمة العفو الدولية وصفا مخجلا لأوضاع حقوق الإنسان ما بعد الثورة في تونس، ونبّهت إلى عودة الأساليب الوحشية في التعامل مع السجناء والموقوفين..
تتنزل هذه القراءة في إطار الكشف الكبير الذي منحته ثورة الحرية للوعي العربي الجمعي سواء القاعدي منه أو النخبوي بأن نسفت الجزء الأكبر من قناعات هذا الوعي وعرّت الزيف الذي كان يغطي كثيرا من أطرافه وحشاياه..
ليس مدار الحديث هنا الزوبعة المريبة التي لا تزال تتفاعل حول التسريبات الأخيرة المتعلقة بالحسابات البنكية التي تم كشفها في "بنما" والتي تعود إلى شخصيات معروفة سياسيا واقتصاديا..
يبقى الصفيح التونسي والعربي ساخنا حارقا ولن يزيده إرهابُ الدولة الأمنية في مصر وتونس وسوريا إلا اشتعالا حتى تحمرّ أطرافه فتطرُقَه معاولُ الثوّار من جديد من أجل غد لن ترضاه إلا مشرقا حافظا لكرامة الإنسان العربي وحريته رغم إرهاب النظام..
التواطؤ العالمي في حسم الملف السوري وتجاوز القوانين الدولية وعلى رأسها ميثاق الأمم المتحدة الذي ينص فصله السابع على وجوب التدخل الإنساني لإيقاف المذابح والقتل، هو الذي سمح بحدوث كل الاعتداءات اللاحقة على المأساة السورية.
الهجمات الإرهابية الأخيرة التي عرفها الجنوب التونسي على الحدود التونسية الليبية هي كسابقاتها من الهجمات تمثل حدثا كاشفا للمشهد بشكل عام ولمجمل المؤثرات النوعية التي تعتمل فيه. أفضل
يعيش عرب تونس هذه الأيام على وقع أخطر الجرائم الإرهابية دموية في تاريخ البلاد منذ الثورة وهي جرائمُ لا توازيها وحشيةً إلا جرائم جبل الشعانبي من ولاية "القصرين"..
منظومة القمع تعود اليوم بقوة داخل المؤسسة الأمنية التونسية نفسها حيث استأنفت سياسة تكميم الأصوات الحرة انطلاقا من "الادارة العامة للأمن الوطني" بواسطة النُّقل التعسفية والاخضاع للتحقيق والاهانات المستمرة.
"البلجيكي" وما أدراك ما البلجيكي ... هو حديث الساعة في مهد الثورة تونس بعد أن تمكّن الإرهابي الأوروبي من الحصول على براءة سحرية جادت بها دولة العمق التي تتحكم في أوصال ما تبقى من الثورة التونسية.
كثيرة هي الدعوات التي استثمرت حالة الفوضى ما بعد الثورية واستغلت ارتباك المسار الانتقالي لتبشر بنهاية الربيع العربي، وبأن ثورات الشعوب لم تجلب غير الخراب والدمار والفوضى والموت العابر للحدود. هذا الخطاب بُنيت عليه الدعوة إلى استحضار محاسن الاستبداد بما هو أفضل الممكن مقارنة بالحالة التي عليها الأمة
الآن وفي ضوء الزيارة الأخيرة التي يقوم بها هذه الأيام الرئيس الإيراني "حسن روحاني" إلى أوروبا وبعد "اتفاق فيينا" الذي قضى برفع العقوبات عن إيران يمكننا إعادة قراءة الدور الإيراني الذي انكشف حجم تمدده الكبير خلال الربيع العربي والثورات التي صاحبته.
أحد أفراد عائلة الراعي مبروك السلطاني الذي ذبحته فرق الموت الإرهابية بجبال القصرين قال ذات يوم مخاطبا الحكومة التونسية: " إما أن نعيش عيشة فلّ أو نموت الناس الكل " إذن: "حذاري فتحت الرماد اللهيب ومن يزرع الشوك يجن الجراح"..
المشهد التونسي اليومي يوحي في ظاهره بانفراج ملحوظ في الواجهة السياسية بعد الاتفاق بين المكونين الأساسيين في البلاد بتقاسم السلطة إثر الانشقاقات التي عرفها حزب النظام القديم..
ليس أبشع من أن يموت الطفل جوعا لكن الأمر يبدو طبيعيا فلا حياة لإعلام الاستعمار العالمي ولإعلام العار العربي من مأساة شعب يموت جوعا؛ فقد بلغت البشرية المتحضرة والمدنية الحداثية من التوحش مراتب لا يحرك فيها الموت حجرا ما دام بعيدا وعلى شاشات التلفاز.