إن تخلف الدولة العربية ليس إلا نتيجة حتمية ومحصلة طبيعية لانهيار قيمة الإنسان فيها. فعندما يستعيد المواطن العربي قيمته كفرد له حقوق وواجبات تضمن له العيش الكريم وعندما يكون الإنسان في قلب المشروعات التنموية وعلى رأس رهانات السياسات الوطنية فعندها وعندها فقط تستعيد الدولة سيادتها..
ما يريده الشعب اليوم هو الضرب بيد من حديد على كل المتلاعبين بمصير الثورة ومصير أجيال بكاملها لا تزال تقف مصدومة من عجز الدولة عن تطبيق القانون ومحاسبة كل أشكال التخريب المتعمد..
كثيرة هي المعطيات التي يمكن من خلالها تبيّن الموقف القطري من المسار الجديد للمصالحة، خاصة إذا سلّمنا بحرص الدوحة على ترميم البيت الخليجي والخروج من الأزمة الحالية التي فرضت على القطريين فرضا..
الصراع اليوم في المنطقة مداره قيمة الإنسان بما هو حرية وكرامة اجتماعية قبل كل شيء. هذا المطلب هو قلب المعركة بين القوى الداعمة للتحرر والنهوض وبين القوى التي تعمل على تأبيد الاستبداد وترسيخ ثقافته باعتباره قدر هذه المنطقة وقدر شعوبها..
تقف الأحزاب الأيديولوجية، مثل الأحزاب القومية واليسارية والليبرالية خاصة، في قلب مأزق وجودي بعد الهزائم الكبيرة التي منيت بها، سواء خلال المسار الانتخابي أو على مستوى التمثيل الشعبي
السجون العربية كانت ولا تزال العنوان الأبرز لقمع حرية الإنسان سواء كان ذلك إبان فترة الاحتلال العسكري المباشر أو خلال عقود من حكم الوكلاء الذين كرّسوا ثقافة القمع والتعذيب والتصفية الجسدية..
إن أول ما يلاحظ في المظاهرات الجديدة هو قدرتها على تصحيح الموجة الأولى من خلال رفضها المطلق لتسييس الحراك الشعبي مهما كان مصدره وهو ما يُحصّنها ضد أي شكل من أشكال القرصنة أو التوجيه أو المزايدة..
شروط إمكان الفعل الانقلابي لا تزال قائمة، لكنها تستقى فاعليتها وقدرتها على تحقيق النجاعة المأمولة هذه المرة من عجز الفاعلين المحليين عن تحصين الجبهة الداخلية
سيبقى منصف المرزوقي رغم كل ما حدث وجها مشرقا في مسيرة الثورة التونسية مهما خانه الخائنون وسيبقى كذلك رمزا من رموز الانتقال الديمقراطي عندما كانت البلاد مهددة بالسقوط في أتون حرب أهلية تؤجج نارها عصابات الدولة العميقة وشركاؤهم المندسون داخل الخندق الثوري..
إن جوهر المكسب الثوري في تونس اليوم هو العملية الانتخابية نفسها التي ستكون قادرة مع الزمن على فرز الكتلة الأكثر قدرة على تحقيق أهداف الثورة مهما تغيرت مكونات المشهد السياسي..
لم تكن تجربة الإسلاميين السياسية بعد الربيع العربي تجربة سهلة. فكان الخطأ الأول قفزهم إلى السلطة دون قياس للعواقب، وهو في نظرنا خطأ كارثي كلّف الحركة خاصة في مصر ثمنا باهظا لأنه لم يراع طبيعة المجتمعات حينها ولا ردّة فعل المنظومة العالمية..
اليوم تعود المظاهر الاحتجاجية من الجزائر والسودان وخاصة من مصر باعتبارها مركز الموجة الثورية الثانية إثر الفشل الذريع الذي مُني به قائد الانقلاب العسكري في تثبت أركان الانقلاب. هاته الترددات الاحتجاجية مرشحة للتصاعد وهي قادرة على تشكيل موجة ثورية ثانية وإعادة المشهد المصري إلى المربع الأول.
لم تنجح القوى الانقلابية في تغيير المشهد التونسي رغم كل الأموال التي ضختها دولة الإمارات الراعي الرسمي للمشروع الانقلابي في تونس. كما لم تنجح كل الحملات الإعلامية التي شنتها قنوات الدولة العميقة في إلحاق المشهد التونسي بالمشاهد العربية الدامية الأخرى..
بعد النجاح الكبير الذي حققته قناة "الجزيرة" الإعلامية عربيا منذ تأسيسها وبعد الثورات العربية التي أسقطت مجموعة من أصلب الأنظمة الاستبدادية الإقليمية، تغيّر المشهد بشكل أثّر مباشرة على صورة القناة عند المشاهد العربي..
لن يكون الرئيس التونسي القادم مهما كانت مرجعيته إلا عنصرا من عناصر البناء السياسي التي لن تستطيع دون التوافق مع بقية مراكز القوى الوطنية إنجاز أي وعد من الوعود التي تطلقها كل يوم..
نجح النظام الرسمي العربي في إنقاذ نفسه من السقوط لكنه رغم ذلك مُنيَ بهزيمة فادحة تمثلت في زعزعة الأسس التي ارتكز عليها أكثر من نصف قرن. هذه الرجة أحدثت في بناء الاستبداد شرخا لا يقبل الترميم..