التناقضات في كثير من الحالات هي انعكاس لحالة التأزيم وتعبير عن الاستقطاب الحاد، لذا كانت التناقضات هي الغالبة في المشهد السياسي الليبي خلال الأيام القليلة الماضية، وليس هذا من قبيل القول بأنها مستحدثة، وإنما القصد الإشارة إلى ظهورها بشكل كاشف بعد الإعلان عن ميثاق المبادئ الذي تم التوصل إليه في تونس
استلم المبعوث الأممي الجديد، الألماني مارتن كوبلر، منصبه خلفا لبرننادينو ليون الأسباني، الذي سلم عهدته دون أن يحقق ما كان يصبو إليه من حل الأزمة الليبية والتوصل إلى اتفاق بين الفرقاء يوقف الاقتتال ويوحد البلاد، التي هي في انقسام يحتاج إلى "شرعنة" فقط ليكون انقساما كامل الأركان.
يظل شغلي الشاغل هو واقع النخبة وواقع الرأي العام ومستوى والوعي وكيفية تعاطي النخبة والنشطاء مع الشأن الليبي والعربي والعالمي خاصة ما يتعلق منه بالصراع المحموم الذي يقسم البلاد، فالجدل حول الأزمة الروسية التركية، على سبيل المثال، لم يكن أقل سخونة بين النشطاء الليبيين عنه بين أطراف الأزمة ذاتها، الأمر
رضخ المؤتمر الوطني العام لحملة "لا للتمديد" وفسح المجال لانتقال السلطة العليا عبر انتخاب برلمان جديد هو المعترف به دوليا حتى الآن. لكن تجربة البرلمان لم تكن على الإطلاق أفضل من المؤتمر الوطني العام، ولو تتبعت سقطات المؤتمر لوجدتها تكررت بعينها بل وبدرجة أكثر سوءا.
وصل سعر صرف الدينار الليبي أمام الدولار والعملات الصعبة الأخرى خلال الأيام الماضية معدلا غير مسبوق منذ إصداره. فقد تخطى سعر صرف الدينار الليبي انخفاضا المعدل الذي بلغه في أواخر ثمانينيات القرن الماضي..
كان تراجع حزب العدالة والتنمية في انتخابات يوليو الماضي سبب إثارة جدل واسع في الأوساط الليبية، كغيرها من الأوساط العربية التي تشهد انقساما واستقطابا حادا بعد الربيع العربي. فمن سعيد بتراجع نفوذ الحزب في البرلمان وشامت في من يعتبرهم أنصاره في ليبيا..
الاستقطاب الذي تحول إلى "كراهية" بكل ما تحمل الكلمة من مدلول سياسي واجتماعي وقانوني أصبح سيد الموقف، وعندما تصبح الكراهية هي سيد الموقف فلا تسأل عن منطق لتفسير الأحداث ولا حكمة في التعاطي معها، ومن ثم، وكنتيجة مباشرة لذلك، لا تنتظر مخرجا قريبا للأزمة المستحكمة التي تمر بها ليبيا.
الناظر إلى أطراف النزاع في ليبيا يدرك أنها أبعد من أن تكون مفتاح حل الأزمة الراهنة التي ارتقت درجات في سلم التأزيم بعد رفض المؤتمر الوطني والبرلمان الحكومة والمسودة سواء..
أسبوع مر على إعلان المبعوث الأممي لليبيا، برننادينو ليون، عن تركيبة مجلس رئاسة حكومة التوافق الوطني والموقف الظاهر هو خليط بين قبول ورفض من قبل مكونات فاعلة ضمن جبهتي طرابلس وطبرق، خلافا للرأي العام الذي يمثل المواطنون العاديون أغلبه..
لايزال الغموض هو سيد الموقف وذلك حتى الساعات الأولى من صباح هذا اليوم الجمعة فيما يتعلق بأسماء أعضاء الحكومة والمكلفين بإدارة المؤسسات السيادية التي اشتملت عليها مسودة الحوار الوطني.
الساحة السياسية الليبية تشهد تطورا على مستوى الحوار وتخطو ولو بتعثر باتجاه التوافق، واجتماع أطراف الحوار في "نيويورك" فيه إشارة إلى مسعى جدي وضاغط من الأطراف الدولية على الطرفين المحليين، للتوقيع على النسخة الأخيرة من مسودة الحوار والتقدم، خطوة باتجاه الاتفاق على اختيار رئيس الحكومة الجديدة ونائبيه.
أشرنا في الإطلالة الأسبوعية السابقة إلى الصعوبات التي تجعل من آماني مبعوث الأمم المتحدة إلى ليبيا، برننادينو ليون، في أن تكون الجولة الحوارية التي انطلقت الأسبوع المنصرم في صخيرات المغرب هي الأخيرة.
أعرب مبعوث الأمم المتحدة لليبيا، برننادينو ليون، عن أمنيته أن تكون الجولة الحوارية الجارية الآن في صخيرات المغرب هي الأخيرة، وعبر ليون مرات عن هذه الأمنية مؤخرا. ونتساءل في هذه السانحة: هل تمنياته واقعية، ومبرراته كافية لإقناع وطمأنة الرأي العام الليبي بأن هذه الجولة الحوارية يمكن أن تكون الأخيرة؟
ربما يخلص القارئ إلى أن تشكيل الحكومة في ليبيا عبث ولا طائل منه! والرد بالتأكيد لا، لكن المطلوب لتنجح الحكومة أن تنتقل إلى التوافق ضمن مكونات المجتمع على أولويات المرحلة وأن يكون في مقدمة مشاريعها تنشيط الحوارات الداخلية للوصول إلى خيارات صائبة.