في الحقيقة لا شيء يثير الدهشة، لأن مجريات الحرب التي أخذت أبعادا إقليمية واضحة، هي التي مايزت إلى حد ما مواقف القيادات الانفصالية ودفعتها للاصطفاف بحسب الأجندات الإقليمية، سواء التي تنتمي إلى الحراك التاريخي أو تلك التي اصطفت مؤخراً ضمن المجلس الانتقالي..
علينا أن نوضح بجلاء أن التحالف الذي يضم السعودية والإمارات، هو الذي يقود عبر ما بات يعرف بـ"الوحدة الخاصة" المعركة العسكرية ضد الدولة اليمنية ومؤسساتها، وجيشها، ويوفر لها العدة والعتاد، ويسخّر لها المليشيات، ويحصن دوره العدائي عبر المجلس الرئاسي..
التحالف وأبو ظبي على وجه التحديد لم يضطر إلى تبرير ما حدث، ولم يقر حتى الآن بأنه حرك طائرات مسيرة هي التي حسمت المعركة لصالح المليشيات المسلحة التي تعمل ضمن مشروع الانفصال الموجه والمدعوم من جانب هذا التحالف
لقد وُضع رجل دولة بحجم الدكتور رشاد العليمي في وضع صعب للغاية، لكن بوسعه أن يدافع ولو عن كرامته الشخصية وتاريخه وسجل خدمته في صفوف الدولة اليمنية، وفي المواقع المتقدمة من هذه الصفوف..
التحالف وعبر الدور النشط للسفير السعودي محمد آل جابر، يركز على تمكين شخصيات تدور في ولائها السياسي مشروعين أساسيين؛ أحدهما المشروع الانفصالي الذي يمثله المجلس الانتقالي الجنوبي، والآخر، يتمثل في محاولة تمكين الورثة السياسيين والعسكريين للرئيس المخلوع علي عبد الله صالح..
لا غرابة أن تتجه الهدنة إلى إقرار المكاسب السياسية والعسكرية غير المشروعة التي حازها الحوثيون، وأن يتحول توجه كهذا إلى أساس لبناء توافق غير مستبعد لدول الحوض النفطي في الخليج
مثلت القضية اليمنية وعلى وجه الخصوص الهدنة، ذلك الغطاء الذي تدثر به بايدن ليثبت أن زيارته ذات جدوى بالنسبة للسلام في المنطقة، فلطالما تفاخر هذا الرئيس بالهدنة اليمنية التي قال إنها وفرت هدوءا لم ينعم به اليمنيون منذ أكثر من 7 سنوات..
صُممت قرارات مجلس الأمن والموقف الدولي كله بما يتفق مع أهداف الحرب التي كان من بينها تمكين الحوثيين من تحقيق حسم عسكري، غير أن ذلك ربما تعارض جزئياً مع أهداف دولتي التحالف اللتين رسمتا لنفسيهما مساراً مختلفاً قليلاً..
ما كشفت عنه تصريحات وزير الخارجية العماني بدر البوسعيدي للأهرام المصرية؛ يفيد بأن هناك نهجا لمقاربة الحل يتبناه المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غرودنبرغ، حظي بدعم سلطنة عمان التي أعلنت لأول مرة على لسان وزير خارجيتها بدر البوسعيدي عن رؤيتها للحل
ثمة مخاوف حقيقية من أن يتحول اليمن في ظل الهدنة التي دخلت شهرها الثالث إلى أزمة منسية، على الرغم مما تموج به المنطقة من تغيرات، تكاد معها البلدان أن تطوي صفحات من الخصومة السياسية عميقة الجذور لتبدأ مرحلة جديدة..
شيء يضاهي النفاق الأوروبي فيما يتعلق بقضايا السلام، فلطالما ساهموا في إطالة أمد الصراعات في منطقتنا، ودعموا الدكتاتوريات، وبرروا لفجور وجرائم الجماعات الطائفية والأنظمة الأقلوية الغاشمة والديكتاتوريات، لكي تبقى منطقتنا تحت سطوة سلام القوة الغاشمة..
لا أحد يمكنه أن يجادل بشأن أولوية فتح المعابر في تعز، كتجسيد حقيقي لنجاح الهدنة بعد تمديدها شهرين إضافيين، غير أن الحوثيين لا يخفون هدفهم الحقيقي وراء استمرار الحصار القائم على تعز، إذ ينظرون إلى هذا الوضع باعتباره ضمانة ضرورية للاحتفاظ بغنيمة الحرب..
حصد الحوثيون مكاسب كبيرة جراء هذه الهدنة وضمنوا المزيد من الأموال التي ستعزز لا شك من جهوزيتهم الحربية، وفي تقوية قبضتهم على معظم المناطق الشمالية من اليمن، وها هم مستمرون في التشدد غير المبرر تجاه موضوع فتح المعابر في محافظة تعز على الرغم من أولويتها الإنسانية، دون رد فعل دولي متناسب
انتقال السلطة إلى مجلس قيادة رئاسي وإعلان الهدنة قبل ذلك؛ كلاهما تم خارج إرادة الممثلين السياسيين والحشد الألفي من الناشطين اليمنيين الذين تجمعوا تحت مظلة الأمانة العامة لمجلس التعاون لدول الخليج العربية بالرياض..
لذلك يبقى من بين أهم التحديات التي تواجه اليمن في ظل المجلس الرئاسي؛ بقاء القوات العسكرية والأمنية في عدن خارج سيطرة السلطة الشرعية وخاضعة للأجندة الانفصالية
من المؤكد أن أجندة مجلس القيادة الرئاسي ستتأثر، بانتقال السلطة في دولة الإمارات العربية المتحدة، ولا ندري في أي اتجاه، وإن كان الطابع التشاؤمي يغلب على معظم التوقعات، التي تنبني على تقدير سلوك رئيس الإمارات الجديد الذي لعب دور الرئيس الفعلي في ظل أخيه..