صنعاء عاصمة اليمن وأكبر مدنه وأكثرها ازدحاما لم تعد كذلك، في عيد هو الأكبر عند المسلمين: عيد الأضحى المبارك. فالتقديرات تشير إلى أن أكثر من نصف سكانها غادروها، والبقية لا يستطيعون مغادرة منازلهم لأسباب عديدة من بينها الخوف..
ثمة خطة مشتركة لتحرير صنعاء، أفصحت عنها وكالة الأنباء اليمنية التابعة للحكومة، في تقرير لها متصل بالزيارة التي قامها بها قائد القوات البرية السعودية اللواء الركن فهد بن تركي بن عبد العزيز، الجمعة الماضي إلى محافظة مأرب..
قد يبدو الأمر أشبه بالاختراق السياسي لجدار الأزمة اليمنية الصلب، بعد موافقة حكومة الرئيس عبد ربه منصور هادي على الذهاب إلى مشاورات جديدة مع المتمردين، لم يُحدد بعد مكانُها ولا موعدُها ولكنه على ما يبدو قريب..
ليس هناك شك في أن صاروخ "التوشكا" الذي أرسلته قوات المخلوع صالح والحوثيين على تجمع لقوات الحلفاء في مأرب قد أصاب هدفه هذه المرة، لكن الانقلابيين أخطأوا في تقدير الموقف..
هذه المعركة قد لا تكون عسكرية فقط بل سياسية، مما يعفي المليشيا الحوثية من هزيمة محققة ويمنح المخلوع فرصة لمناقشة أي من الترتيبات السياسية التي قد تطرح لتجنيب صنعاء معركة طاحنة.
يمكن للحكومة أن تمضي في خط التعامل العسكري مع المتمردين وفي الآن ذاته تهيئ الأرضية لبدء مرحلة جديدة من الشراكة الوطنية بين مختلف مكونات المجتمع اليمن، إذ لا يستطيع هؤلاء المتمردون أن يدعوا تمثيلاً حصرياً لمكون اجتماعي أو جهة جغرافية، فالأمر لم يصل بعد إلى هذا المستوى في اليمن.
يثير الدور الإماراتي في اليمن جدلا واسعا، بالنظر إلى الخلفية القاتمة لهذا الدور والتي أظهرت الإمارات إلى حين، ضدا لإرادة اليمنيين في الحرية والتغيير والوحدة، وهو أمر لم يعد قائما الآن..
لم يبق للانقلابيين من معسكرات ذات أهمية، بما فيها تلك الموجودة في تعز والتي أعادت الانتشار في عاصة المحافظة وتورطت في حرب شوارع استنزفتها وجعلتها في موقع الدفاع عن النفس..
لن تتوقف المعركة عند حدود عدن، سيكون ذلك تصرفاً مدمراً لكل الإنجازات التي حققها التحالف وحققتها المقاومة الشعبية والجيش الوطني، لهذا أرى أن المعركة ستستمر حتى استعادة صنعاء، مالم يكن البديل لتحقيق ذلك حلاً سياسياً.
معركة عدن فتحت الباب واسعا لاحتمالات النصر القريب على المليشيا، ما يؤذن بسقوط صنعاء، بعد تزايد عمليات المقاومة في إقليم آزال، حيث تقع العاصمة، بعد أن أصبح الانقلابيون عبئا اقتصاديا ثقيلا وغير محتمل على حاضنتهم الاجتماعية التي يتركز معظمها في إقليم آزال..
أخيرا تم استعادة محافظة عدن، ولهذا الإنجاز الاستراتيجي ما بعده على صعيد تقرير مصير الدولة، وبه يبدأ العد العكسي لاستعادة صنعاء باعتبارها الهدف الأكثر حيوية للحكومة..
بدأت الأصوات تتعالى من المصدر ذاته: الغرب والأمم المتحدة، دعوات متتالية من واشنطن ونيويورك وبروكسل، كلها تطالب بهدنة في اليمن لأغراض إنسانية يمكن أيضا أن تكون مستدامة، في نفاق مفضوح وتواطؤ لا يمكن القبول به مع الإجرام الذي ترتكبه عصابات المخلوع صالح والحوثي ضد اليمنيين.
أكثر من أي وقت مضى، تتدحرج كرة الأزمة اليمنية إلى هاوية سحيقة، في ظل اللعب على الحافة الذي تمارسه كل الأطراف، تقريباً في محاولة منها لعدم الذهاب إلى جنيف دون أن تتحمل تبعات الرفض المباشر لدعوة الأمم المتحدة لعقد لقاء جنيف الذي لا تُعلم حتى الآن على وجه الدقة أجندته الأساسية..