في الليلة الظلماء التي عاشتها تركيا كنت ومعي الملايين الذين استقر بهم الحال في هذا البلد الرائع، يفكرون مليا في المستقبل، لكن بكثير من القلق، لإدراكنا أن هذا الانقلاب الذي حاول إنجازه قطاعٌ من الجيش التركي، ليس له أهداف سياسية..
توقفت مشاورات الكويت بين الأطراف اليمنية، ودخلت مرحلة الجمود تقريبا، وفي المقابل تحركت الدبابات والمدرعات، وازدادت حدة المواجهات، إلى حد يمكن معه وصف ما يجري بأنه ترجيحٌ لكفة الخيار العسكري الذي قد نرى صنعاء مسرحا له..
الجميع تقريبا ينتظر اللحظة التي يُعلن فيها مبعوث الأمم المتحدة إلى اليمن إسماعيل ولد الشيخ، رؤية المنظمة الدولية للحل السياسي في اليمن، هذا إن كان لا يزال يمتلك الشجاعة للإقدام على هذه الخطوة..
بعد أكثر من خمسين يوما على انطلاق مشاورات الكويت، لم يعد بالإمكان الحديث عن حل سياسي، يعيد الأطراف اليمنية إلى مسار التسوية الذي كانوا قد مضوا فيه قبل انقلاب 21 أيلول/ سبتمبر 2014..
المشاورات الخفية التي تجري تحت قناع مشاورات الكويت، ومنسوب النجاح والإخفاق ومستوى الضغوط أيضا، هي التي تفسر لماذا عاودت مليشيا الحوثي وقوات المخلوع صالح قصف تعز بهذه الصورة الوحشية.
حتى هذه اللحظة لم تفارق مخيلتي مشاهد التهجير القسري من مدينة عدن، المستعمرة البريطانية السابقة الواقعة في جنوب اليمن، تلك المشاهد التي يتم تداولها على نطاق واسع في شبكات التواصل الاجتماعي..
الغرب ليس ليبراليا في اليمن ولا في سورية، إنه مجرد قاتل محترف وصليبي متعصب، ويجتر تاريخا من الصراع العقائدي والحضاري، ولم يخف أبدا نيته في استدعاء النسخة المعاصرة من إسماعيل الصفوي متجسدا في عمائم إيران وتوابعها من المليشيات والأحزاب الطائفية.
شيئا فشيئا تتضح ملامحُ الحرب الدائرة في اليمن، وتتضح أهدافها النهائية، فهذه الحرب يبدو أنها تستهدف أطرافا بعينها، ليس من بينها الحوثيون، خصوصا بعد أن أصبحت تعز المحاصرة ومقاومتها الهدف الأكثر خطورة بالنسبة للتحالف..
الأزمة اليمنية تتجه إلى أن تصبح أكثر تعقيدا وأشبه بالأزمة السورية، وهذا يعود في الأساس إلى جملة عوامل أهمها: غموض الموقف الدولي من الحوثيين ومن مسار الحل السياسي، ومآلاته مع ميل واضح إلى الإبقاء على الحوثيين كقوة مؤثرة..
مشاورات الكويت، لا تزال كما بدأت غير واضحة وغير مستقرة، وليس لها أفق واضح، في وقت يقاتل فيه المخلوع صالح لجر روسيا بشكل أكبر إلى مستنقع الأزمة المحتدمة في اليمن..
لن يتحقق شيء مهم في مشاورات الكويت، ستكون محطة محبطة بالنسبة للكويت نفسها، أكثر منها للأمم المتحدة أو حتى للشعب اليمني الذي ينتظر عودة السلام والاستقرار بفارغ الصبر.
لا شيء يمكن أن يقنع المتابعين بأن ثمة دوافع نزيهة للإمارات وراء طلبها من الولايات المتحدة دعما لوجستيا في حرب محتملة ضد القاعدة، لم يحدد هذا البلد الخليجي أين ستكون ضمن خارطة اليمن المشتعلة أصلا.
هناك جهود مكثفة تبذل من الأطراف ذاتها المتربصة بالدولة اليمنية، وهي الأطراف المرتبطة أصلا بالمشروع الإيراني، التي تريد النيل من هذه الدولة، إما بتأسيس نظام شمولي يعتمد على منطق الغلبة، أو بتجزيء هذا النفوذ في إطار دولتين..
في ختام عام من الحرب في اليمن، سيذهب كل من الحكومة والمتمردين إلى جولة مشاورات هي الثالثة من نوعها بينهما، المقرر عقدها في الثامن عشر من شهر نيسان/ أبريل الجاري، في الكويت، وقبل ذلك ستعقد هدنة هي الرابعة من نوعها..