نكسة يونيه كانت جرح وطن بكامله، وجيل بكامله، عاش الهوان والانكسار والذل، الذي لم يخفف منه سوى النصر السريع الذي تحقق في حرب أكتوبر، حتى ولو كان نصرا غير مكتمل، إلا أنه خفف من وقع الهزيمة، وقلل من آلام النكسة، وأعاد لنا شيئا من الكرامة المهدرة.
تمنيت أن يكون هناك بصيص أمل في إصلاح سياسي حقيقي، وأن تكون هناك ملامح برنامج اقتصادي يبشر برحمة الخلق الذين أرهقهم الفقر وغلاء الأسعار الذي تقوده الحكومة نفسها، ولكن ما استمعنا إليه في خطاب تدشين الفترة الرئاسية الجديدة لم يحمل هذا الأمل.
متى يدرك أصحاب القرار أن المعركة مع أبو تريكة خاسرة، وتمثل نزيفا لسمعة النظام كله، في مصر والخارج، بلا أي معنى ولا داعي، هذا فضلا عن أن ما يحدث مع أبو تريكة يعطي رسالة سلبية للغاية لزملائه الذين ما زالوا في الملاعب.
قال الرئيس عبد الفتاح السيسي ذات يوم بأنه "مش بتاع سياسة"، واعتبرها كثيرون زلة لسان لم يقصدها، وأرجو أن تكون كذلك، ولكن الذي يجري الآن في مصر من تناقضات لا يمكن أن تجري وفق أي مفهوم سياسي، غير أن ما يجب أن يدركه الرئيس أن "السياسة" بالنسبة لقادة الدول ليست اختيارا، بل هي ضرورة للمنصب الرفيع.
عمرو خالد ليس وحده في هذه الهوة السحيقة، وهذا الخلل، فهناك عدد آخر من الشباب الذي احترف تلك النوعية من الدعوة، وإن كان عمرو هو الذي مهد الطريق لهذه النوعية من الدعاة الجدد في العالم العربي، وهو الذي سن تلك السنة، وقد تلقفتهم بعض النظم التي لا تحمل أي ود للدين والتدين في العالم العربي.
التيار الإسلامي متجذر في عمق التجربة العربية والإسلامية الحديثة، ويمتد لأكثر من ثمانين عاما، عبر تجارب عديدة، وليس عبر تجربة الإخوان وحدهم، فهو لا يمثل فقاعة سياسية أو فكرية عابرة، ويعود حضوره الدائم إلى تماهيه مع عمق الوجدان الشعبي المتصل بالإسلام وهوية الأمة وهو ما يساعده على النجاح دائما.
أؤكد، لا حرب بين الاحتلالين الإيراني والإسرائيلي، وإنما فقط معارك صغيرة محدودة بين أصحاب مشاريع توسعية لفرض معادلات نفوذ في المنطقة، وإيران لا تخسر كثيرا هنا، لأنها تلاعب الإسرائيلي على أرض عربية، والضحايا غالبا سيكونون العرب.
نجاح حزب النهضة يأتي تتويجا لجهوده الشعبية الصبورة طوال السنوات الماضية، وخطته للانفتاح على التيارات المختلفة بما يجعله يخرج من عباءة "الجماعات" الدينية، وعباءة الإخوان تحديدا، ليكون أشبه بجبهة سياسية وطنية واسعة تحوي في طياتها تنوعا فكريا وايديولوجيا.
حفتر وداعموه، يدركون أنه مكروه في عموم ليبيا، ولا رهان عليه إلا من بعض أبناء قبائل الشرق وتجار المخدرات ومهربي النفط وبقايا كتائب القذافي، ممن يربطون مصالحهم ومصيرهم بوجوده، وهو ينفق هناك بسخاء كبير، بفعل الدعم المفتوح من الإمارات.
ما حدث مع محمد صلاح شيء لا يصدقه عقل، وهو يكشف أن كثيرا من أعمال الدولة الآن تدار بأسلوب "الفهلوة" وليس بالقانون أو الحقوق، وأن هناك من يستخدم اسم مصر والوطن والوطنية وتحيا مصر كستار للصوصية واغتصاب حقوق الخلق بالباطل.
حفتر لن يكون قادرا على قيادة المنطقة الشرقية في المرحلة المقبلة، كما أن رعاته الإقليميين سيبدأون في البحث عن بديل له، تحسبا لسقوطه مرة أخرى، خاصة أن الجلطات في الرأس في تلك المرحلة العمرية المتقدمة، يصعب أن يعود معها الشخص بكامل عافيته وقدراته.
اليونسكو وضعت كلام الحكومة المصرية، ممثلة في وزارة الخارجية، وراء ظهرها، وتعاملت معه باحتقار واضح، ولم تعره أي قدر من الأهمية وهي تقرر منح "شوكان" الجائزة، بل أرفقت بالبيان إشارة فريق تابع للأمم المتحدة أدان احتجاز "شوكان".
بيان الخارجية العنيف والعصبي يحرج القضاء المصري نفسه، لأنه يظهر مسألة "شوكان" باعتبارها موقفا سياسيا عنيفا من "الدولة" ضد مصور صحفي، وليست مسألة شبهات منظورة أمام العدالة، ومتروكة لضمير القاضي وما يتبين له من أدلة وقرائن وشهادات.
لذلك تنهض تلك الشعوب وتبرز تلك الدول بين الكبار، وتحقق الطفرات، وتنجح، وتتفوق، وتتبوأ مقاعدها في صدارة الأمم، بينما يعيش آخرون في ظلام الجهل والخيبة والعنتريات الفارغة وخرافات القائد الضرورة، الملهم، الذي وضع رأسه على كفه، الزعيم الذي لا بديل له، ولم تلد الأمهات مثله،
لا يوجد ديكتاتور على مر التاريخ يكون على وئام مع الثقافة والمثقفين، ولا العلم والتعليم، ولا أي أداة تنشر الوعي بين الناس؛ لأن هذا كله ضد صناعة الديكتاتورية، فالجهل والغوغائية هي الأداة السهلة والرخيصة والسريعة لصناعة الوثنية السياسية.
لا شك عندي أبدا، في أن الشعب السوري سينتصر في النهاية، وسيفرض إرادته، وسينتزع حريته وكرامته، وسيبني دولة مدنية ديمقراطية هو جدير بها، فقد دفع الثمن، أكثر مما دفعه أي شعب آخر، وعدل الله يأبى إلا أن ينصر هؤلاء المستضعفين، حتى وإن خذلهم العالم القريب والبعيد.