هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
شخصيا، لا أشجع النادي الأهلي، ومنذ زمن بعيد لم أعد مهتما بالكرة
إلا لماما، وغالبا لا أتابع إلا مباريات الفرق الأوروبية الكبرى على فترات، فلست
من المتعصبين لكرة القدم ولا المغرمين بالأهلي أو الزمالك، ولأسباب نفسية بحتة كنت
أنحاز دائما لفرق الأقاليم والفرق المهمشة، وفي مقدمتها فرق القناة الثلاثة،
الإسماعيلي والمصري والسويس أيام كان في الدوري، بحكم نشأتي، والاتحاد السكندري
والترسانة والمنصورة ودمياط أيام كان لهم صولات وجولات، كل تلك الفرق كنت أنحاز
لها تلقائيا إذا واجهت القطبين الكبيرين: الأهلي أو الزمالك، ربما هذا من تكويني
الفطري المنحاز دائما إلى المهمشين والمستضعفين، في السياسة أو المجتمع أو الرياضة
سواء.
أقول
هذا لإبعاد أي ظن من تعصب كروي عندما أتحدث عن اللاعب الشهير محمد أبو تريكة، وقد
كنت مبهورا به عندما كان يلعب في الترسانة قديما، ولما انتقل إلى الأهلي هبط
الترسانة إلى الدرجة الثانية، فالفريق كله تقريبا كان يقوم عليه، لأنه لاعب
استثنائي، فهو ليس مهاجما يترجم الفرص أو يقتنصها، وإنما عمود فقري في أي فريق
يلعب فيه، وأبو تريكة أحد المواهب التي يندر وجودها في الملاعب المصرية، في طريقة
لعبه ومهارته، فضلا عن أخلاقه الرفيعة التي أسرت قلوب الملايين من محبي كرة القدم،
بمن فيهم مشجعو الأندية الأخرى غير الأهلي، وهذا ما لاحظته بوضوح في أي مجلس يأتي
ذكره فيه، كما في الإجماع المدهش الذي تجده على صفحات التواصل الاجتماعي والإعلام
العربي على حب هذا اللاعب واحترامه.
محمد
أبو تريكة ليس مجرد موهبة مرت بالملاعب المصرية، بل هو كنز إنجازات وانتصارات
لفريقه وناديه الكبير، النادي الأهلي، كما أنه كنز إنجازات لمصر ومنتخبها الوطني،
ولا أذكر أن لاعبا حقق لمصر مثل هذه الإنجازات التي حققها أبو تريكة، وبأي معيار
فإن هذا اللاعب بطل قومي، بما حققه من إنجازات، وبما ارتبط به اسمه من بطولات كبرى
سادت بها مصر على قارة أفريقيا عدة دورات ولسنوات طويلة، ومثل أبو تريكة ـ في
الدول الأخرى ـ تتعامل معه دولته ووطنه بشكل استثنائي، كأيقونة رائعة يحمونها
ويفخرون بها وبتاريخها ويوظفون وهجها في إلهام الناشئين والأجيال الجديدة لتعمل
على منواله وتحقق ما حققه أو حتى تفوق ما حققه إن أمكنها.
أبو
تريكة الذي اشتهر بأخلاقه الرفيعة، وتدينه الوسطي المعتدل، خطف قلوب ملايين العرب
والمسلمين حول العالم وفي العواصم العربية المختلفة، عندما أعلن تعاطفه الكامل مع
أهلنا في فلسطين أيام العدوان "ألإسرائيلي" على غزة، ووظف المباريات
الكبرى التي يتابعها عشرات الملايين عبر الشاشات لكي يبرز تحت قميصه شعارات كتبها
مؤيدة لغزة الصامدة ولفلسطين، رغم ما يمكن أن يتعرض له من عقوبات رياضية قاسية، لم
يعبأ بها وبحساباتها، فأصبح رمزا رياضيا عربيا آسرا لقلوب الملايين، وليس فقط رمزا
مصريا.
لاعب
موهوب ومرموق وبطل قومي مصري مثل هذا، لماذا تعاديه الدولة ومؤسساتها، ولماذا تسلط
عليه بعض الأجهزة أدواتها الإعلامية لسبه وشتيمته وهجائه ومحاولة تشويه صورته،
ورغم أنهم يفشلون كل مرة إلا أنهم يصرون على العودة، وفي كل مرة ينحاز الملايين
لأبو تريكة ضد الحملات الرسمية الممنهجة ضده، لماذا كل هذا العناد، أي عقل سياسي
حكيم يسمح بذلك، على الرغم من أنه منذ خرج من مصر حريص كل الحرص على أن لا يسيء
إلى أحد ولا أن يتخندق سياسيا في ظل موجات صراع سياسي عنيف وحاد تعصف بالبلاد، ركز
جهده في الرياضة والتعليق على مباريات الكرة، ولكنهم ـ رغم ذلك ـ لم يتركوه في
حاله، ولا تتحرك له سيرة إلا وتنشط أصوات مستأجرة للهجوم عليه وسبه، فيستعدون
عليهم ملايين المصريين والعرب، الذين يصدقون أبو تريكة، الإنسان والأخلاق والموهبة
والإنجازات والتاريخ، ولا يصدقون هرتلات الإعلام المستأجر والرخيص.
متى
يدرك أصحاب القرار أن المعركة مع أبو تريكة خاسرة، وتمثل نزيفا لسمعة النظام كله،
في مصر والخارج، بلا أي معنى ولا داعي، هذا فضلا عن أن ما يحدث مع أبو تريكة يعطي
رسالة سلبية للغاية لزملائه الذين ما زالوا في الملاعب، وبعضهم نجوم عالميون الآن،
بأنهم في وطن لا يحفظ لهم جميلا، ولا يقدر إنجازاتهم ونجاحاتهم مهما بلغت ومهما
بذلوا من جهد، ولا يأمنون تقلبات أحواله، هذا شعور محبط للغاية، وتأثيره النفسي
بالغ السوء.
المصريون المصرية