لا يمكن الحديث عن ديمقراطية في غياب أحزاب، ولكن تجربة الثورة السودانية الحالية تؤكد أن النقابات المهنية والعمالية وبحكم أنها ذات جذور شعبية، هي الأقرب إلى نبض الشعب والشارع، والأقدر على تحريك الشعب
المرتجى هو أن تبقى الثورة مستمرة، بأن تبقى السلطة الانتقالية بشقيها المدني والعسكري تحت الرقابة والمحاسبة اللصيقة من قبل قوى الثورة، وإذا حاد الطرفان أو أحدهما عن خط الثورة، يشهر الشارع مجددا سلاح "تسقط بس"..
زعم آخر للمجلس العسكري لتبرير حرصه على الإمساك بمقاليد السلطة وهي مسؤولية القوات المسلحة عن أمن وسلامة الوطن والمواطن، بينما لم يعرف السودان عبر تاريخه المدون انفلاتا أمنيا كالذي شهده في الشهرين الماضيين..
هناك اليوم عشرات الآلاف من السودانيين يشغلون وظائف مرموقة في المنظمات والمصارف الدولية، والمؤسسات العلمية والبحثية والصناعية، وفي بريطانيا وحدها يوجد أكثر من 2500 طبيب سوداني..
"أسمع كلامك يعجبني؛ أشوف أفعالك أتعجّب"، مثل شعبي بليغ عن مخالفة القول للفعل، ولكن وفيما يلي العسكر الذين استولوا على الحكم مؤخرا في السودان لا كلامهم ولا أفعالهم تثير الإعجاب..
وكان من عجيب المصادفات أن رأس المجلس العسكري في السودان أيضا يحمل اسم عبد الفتاح (البرهان)، ثم اتضح أنه يتخذ من عبد الفتاح (السيسي) المصري معلِّما وشيخا، فكان ما كان من أمر مذبحة 29 رمضان..
مهما كانت درجة الصلف وغطرسة القوة، فسيدرك المجلس العسكري الانتقالي ـ بعد تنفيذ العصيان المدني ـ أنه لا معنى أو جدوى من حكم بلد كل نشاط فيه المرور معطل تماما، وعندها لن يكفي التراجع التكتيكي، وسيكون المطلوب مدنية الدولة..
المجلس العسكري بقيادة الفريق أول عبد الفتاح البرهان، يمارس قدرا كبيرا من الصلف وغطرسة القوة وهو يتشبث بالحكم، ويحسب أن الإبقاء على مؤسسات ومنظمات حكم البشير سيشكل سندا له..
طبع الاستبداد بالرأي سيغلب محاولات التطبُّع الثوري من قِبل العسكر، وأن المجلس العسكري يبحث عن ذريعة لنفض يده من أي توافق مع القوى المدنية، والسيناريو الأرجح في تقديري، هو أن تلك القوى ستضطر إلى إعلان العصيان المدني..
كل تبرير يسوقه عسكر الخرطوم لتسنمهم مراقي السلطة وحرصهم على الانفراد بها هو تغرير بالجماهير، وليالي الخرطوم حبالى، ومثقلات وستلد كل عجيب في غضون أسبوعين على أبعد تقدير..
اختار الثوار واجهة مقر قيادة القوات المسلحة موقعا لاعتصامهم التاريخي، ناشدين انحياز تلك القوات للثورة كما فعلت في عام 1964 ضد نظام الفريق إبراهيم عبود، وفي عام 1985 ضد نظام المشير جعفر نميري.
ما ينبغي أن تتعلمه الشعوب المقهورة المتطلعة للحرية والعيش الكريم من شعب السودان هو: أن الحركة الجماهيرية المدنية ومتى ما تحلت بالوعي والعزيمة وقوة الشكيمة فليس من قوة مهما كانت غاشمة قادرة على دحرها.
في قاموس العسكرية السودانية يسمى المدني "مَلَكيا" والزي غير العسكري أيضا ملكي، وأقسى توبيخ يتلقاه جندي في الجيش السوداني هو اتهامه بأنه يتصرف كـ"ملكي"، وقد يفسر هذا إصرار مجلس عبد الفتاح البرهان على إبعاد الملكيين عن المجلس السيادي الذي يمثل رئاسة الدولة..
رأى الكاتب والباحث في الشأن السياسي السوداني جعفر عباس، أن السودان دخلت في دوامة مواجهة جديدة بين العسكر والمدنيين، الذين يتهمون الجنرالات بأنهم الجناح العسكري لحركة البشير الإسلامية.
حتى يوم الناس هذا انعقد ثلاثون مؤتمر قمة عربية عادية، وثلاثة مؤتمرات اقتصادية، وتسعة مؤتمرات غير عادية، ومثلها مؤتمرات طارئة، وفي تقديري فإن مؤتمر القمة الوحيد الذي يستحق مسمى "غير عادي"، كان ذاك الذي انعقد في مصر في أيلول/ سبتمبر من عام 1970.
يرى الكاتب السوداني جعفر عبّاس أنه لا الموقع الجغرافي ولا لون البشرة يكفلان السعادة للإنسان، وأن راحة البال لا تأتي من وفرة المال أو كثرة العيال، بل بالعيش في وسط يصون الكرامة والحقوق، وأشار إلى أن العرب بفضل الله شرعوا في تلمس طريقهم نحو مجتمعات معافاة..