في سنتها الرابعة، قطعت الثورة الفرنسيّة رأس الملك لويس السادس عشر. بعد بضعة أشهر، وبالمقصلة نفسها، ألحقت به زوجته ماري أنطوانيت. في سنتها الثانية، أعدمت الثورة الروسيّة بالرصاص آخر حكّام آل رومانوف: القيصر نقولا الثاني وزوجته ألكسندرا وأبناءهما الخمسة، بمن فيهم أليكسي ابن الرابعة عشرة.
قبل عقد بالتمام غادرنا جوزيف سماحة، الصديق الأعزّ والزميل الاستثنائيّ وصاحب الرأي الإشكاليّ. وفي أواسط هذا العقد نفسه اندلعت الثورات العربيّة. كثيرون تساءلوا وما زالوا، وهم يفرزون مواقف أصحاب المواقف: لو كان جوزيف حيّا، أيّ موقف كان ليتّخذه من الثورات، ومن الثورة السوريّة خصوصا؟
أكثر ما رسخ في الذهن وما تناولته العناوين كان الموقف المسيحيّ في إجماله. لقد رحّب وبالغ في الترحيب، كاشفا، وليس هذا بجديد، أنّه مأزوم ومضطرب، لا يجد حلاّ لمعضلة «مسيحيّي المشرق» إلاّ في تلك العنصريّة التافهة وفي عنصريّين آخرين يشبهونها وراء البحار.
دونالد ترامب يسابق ويسبق أكثر افتراضات الخيال سوادا. انقلابه، وآخر خطواته القرار التنفيذيّ في صدد الهجرة واللجوء، يستبطن الحرب الدينيّة في إخلال صريح بالقيم والمعايير التي باتت تعادل التقدّم وتساوي العقل. أمّا الردّة التي يرعاها، بخليط من العُظام والخفّة والوضاعة، فلا تعبأ حتّى بالقانون، ناهيك عن ال
السيّد دونالد ترامب ألقى خطاب التسلّم، الذي أراده البعض لـ «توحيد الأمريكيّين»، فجاء خطاب حملة انتخابيّة. نصّ من عيون النصوص الشعبويّة التي تستفزّ وتحرّض ضدّ أعداء فعليّين ومتوهّمين. بدا واضحا مع ذاك الخطاب – الكارثة أنّ المنصب الرئاسيّ لن يغيّر الرجل ولن ينضّجه. طبعه يغلب التطبّع.
يجد دعاة «صراع الحضارات» حججا كثيرة يدعمون بها ما يدعون إليه. فحروب الهويّات على أشدّها، والهجمة العنصريّة على الإسلام مستعرة، وبربريّة «داعش» ضدّ المختلف والآخر ساطعة، والعداء لليهود في أوروبا يشهد بعض الانبعاث، واحتمالات الحرب التجاريّة بين الولايات المتّحدة والصين تربة خصبة.
قبل أيّام قليلة، استعرضت البلاغة نفسها في شيكاغو. باراك أوباما كان يودّع الأمريكيّين والبيت الأبيض. بعد أيّام قليلة، يوم الجمعة تحديدا، تشهد واشنطن دي سي دخول دونالد ترامب بيتها الأبيض نفسه.
صحيح أنّ الثورات العربيّة انهزمت، كلٌّ بطريقتها، وإن تقاطعت تلك الطرق في غير موضع ومكان. لكنّها، على رغم الهزيمة، أحدثت في الواقع وفي العقل تغييرات لن تظهر كلّ آثارها إلاّ على مدى أبعد..
لم تكن مرّة حقوق الإنسان مصانة في هذه الرقعة من العالم. لم تكن مرّة أمرا محترما، أو جدّيّا. لكنّها لم تكن مرّة مداسة ومنتهكة كما حالها اليوم. ولم يكن مرّة دوسها وانتهاكها منتشرين على رقعة في ضخامة الرقعة التي ينتشران عليها حاليّا.
.
منذ أن شاع خبر «القروض» التي حصلت عليها «الجبهة الوطنية» الفرنسية، وقيمتها تفوق الـ11 مليون دولار، راحت الصحف الغربية تُفرد مساحات أوسع للتمويل الروسي الذي تحظى به تنظيمات قومية متطرفة، في أوروبا والولايات المتحدة، وتتشارك في توفيره الحكومة والكنيسة ومعاهد بحثية وإعلامية في موسكو.
يتكاثر المولعون ببشّار الأسد، أو أقلّه مَن «يفضّلونه على خصومه»، وفقا لتعبير يزداد شيوعا. في الأشهر القليلة الماضية انضمّ إلى هذه القائمة المنتفخة بالأسماء كلٌّ من الأمريكيّ دونالد ترامب والفرنسيّ فرانسوا فيّون. هذا إذا اقتصرنا على تعداد الكبار.
بعض من فسّروا الفاشيّة وحلّلوها ذهبوا إلى أنّ لينين هو مَن أتى بموسوليني وهتلر. ومفاد الرأي هذا أنّ الجذريّة اليساريّة التي استعجلت المستقبل، كما عبّرت عن نفسها في ثورة 1917 البلشفيّة، إنّما أثارت ذعر الطبقات الوسطى والوسطى الدنيا الأوروبيّة، فردّت الأخيرة باستحضار جذريّة يمينيّة وماضويّة كانتْها.