لم يحتف العالم العربي، على المستوى الثقافي، بحدث وبصانع حدث، مثلما احتفى بفوز الروائي اللبناني أمين معلوف بجائزة غونكور، ولا يفوق ذلك إلا الفرح العارم الذي رافق فوز نجيب محفوظ بجائزة نوبل! إلا أن فوز معلوف حظي بإجماع عربي نادر، إلى درجة لم يختلف فيها اثنان على أن معلوف يستحق الجائزة ولبنان معه.
في الوقت الذي كانت فيه فيديوهات اجتماعات القيادة الفلسطينية تثير أحزان الناس في كل مكان في هذا العالم، كانت القدس تنتفض، متحدّية الاحتلال ومصمِّمة على أن تستردّ ساحة باب العامود..
تبدو تواريخ: 1917، 1948، 1967، اليوم، لا تقل مأساوية عن تواريخ مثل: 1979، 1993، 1994، فما تمخضت عنه معارك وهْم القوة، في الأولى، لا يختلف كثيرًا عما تمخضت عنه معارك وهْم السلام في الثانية، بدءًا من اتفاقية كامب ديفيد، مرورًا باتفاقية أوسلو، واتفاقية وادي عربة.
لم يكن الشهيد عبد الفتاح الشريف على بعد عشرة أمتار أو مئة متر من الجندي الصهيوني القاتل، إلينور أزاريا، فقد قام هذا العنصري بإطلاق النار على رأس الشريف وهو ملقى على الأرض من مسافة صفر..
على كثرة ما يرى المرء في زماننا هذا من مشاهد تدمي الروح، وتعيد البشرية للوراء ثلاثــــين قرنا، وتسحق روحها، في البر والبحر والجو وما بينهما من مساحات غامضة.
حين كنا أطفالا، نسترق مشاهدة الأفلام، كانت السينما حقيقة مُطلَقة، وليست مجرد تمثيل. كان للبراءة، كالشقاء، مكان، في كل ما حولنا، وكنا نخشى البحر حين يثور على الشاشة، والرصاص حينما يتناثر، ولم يكن الأطفال وحدهم أسرى تلك الحقيقة، بل بعض الكبار أيضا، ممن يدخلون السينما لأول مرة.
أتيح لي أن أشاهد أفلام الأوسكار جميعها، باستثناء فيلم واحد مرشح لأفضل فيلم أجنبي، وفيلم واحد مرشح لجائزة أفضل فيلم أمريكي. ولذا، في استطاعة المرء أن يقول إنه يتحرك في مساحة شبه آمنة، مع كل هذه المشاهدات، لأنه قادر على أن يدلي برأيه في أفلام فازت، شاهدها، وأفلام لم تفز شاهدها أيضا.
كل شهر، أو أقل، لا ينسى صديقي الأسير في سجن (…) الصهيوني أن يتفقدني، يتصل بي، لا أعرف إن كان ذلك من داخل زنزانته، أم من الساحة في ظل غيمة أم تحت الشمس، يتصل بي، ليسألني عن كتابتي وصحتي، ويتفقّد حريتي.
بين يوم 4 تموز/ يوليو 1776 ويوم 15 أيار/ مايو 1948 أكثر من رابط، فهما يومان استثنائيان، وعجيبان في ضوء منطق التاريخ؛ إذ كان من المقرر أنهما مُلك لشعبين عريقين، كان من المفترض أن يعلنا فيه استقلال بلديهما، لكن الغريب أن مستوطنين ومهاجرين من مختلف بقاع الأرض أعلنا استقلالهما، فأصبح الاستقلالان للطغاة.
يكتب الكاتب فيغيره كتابه، ويقرأ الكاتب فتغيره الكتب التي يقرأها. قد لا تُحدِث ذلك الأثر الفوري، لكن الكتاب الذي نقرأه لا يموت، إنه ينمو في داخلنا، ويكبر، ويغدو جزءا من تركيبة أرواحنا، حواسنا، وأفكارنا حول العالم، وحول أنفسنا.
كل من له علاقة بوضع الثقافة العربية في العالم يدرك أن هذه الثقافة تعاني، خارج حدودها بشكل خاص، من مأزق التحرك في دائرة ضيقة، سواء عبر ترجمات الكتب، أو ما بعد صدورها، كما تعاني الحقول الفنية الأخرى، مع استثناءات قليلة للغاية قد لا تتجاوز عدد أصابع اليد الواحدة.