خل رئيس الجمهورية في معركة "وجودية" ضد خصميه الأساسيين (أي حركة النهضة ويوسف الشاهد رئيس الحكومة)، متحالفا مع الاتحاد العام التونسي للشغل لإضعاف الشاهد، ومع الجبهة الشعبية لاستهداف النهضة أساسا
إننا أمام "حرب وجودية" يشعر الرئيس فيها بخطر مؤكد على مستقبل ابنه السياسي ومصالح العائلة من بعده، بينما تشعر الجبهة أن استمرار مسار الانتقال الديمقراطي والاحتكام إلى الإرادة الشعبية سيزيد من قوة النهضة
مهما كانت مآلات التحركات الأخيرة للرئيس الباجي قائد السبسي، والتي ستعقبها تحركات أكثر "شبهة"، فإن من المؤكد أن ما يقوم به رئيس الدولة ليس إلا "غرغرة سياسية" صادفت "هوى استئصاليا" عند رموز اليسار
المؤكد هو أن مقتل جمال خاشقجي قد غيّر توازنات القوة بين محور الثورات المضادة بقيادة السعودية والإمارات، والمحور الداعم للثورات العربية بقيادة قطر وتركيا
"قابلية التطبيع" هي شكل آخر من أشكال "قابلية الاستعمار" في هذه المرحلة التاريخية التي يهيمن عليها اليمين الصهيو- مسيحي المتطرف في أمريكا. فإذا كانت "الإمبريالية هي أعلى مراحل الرأسمالية"، فإن التطبيع مع الصهيونية هو أعلى مراحل الإمبريالية وآخر انتصاراتها في هذا الزمن المُعولم
خطاباتهم تسعى إلى تحقيق النتيجة ذاتها، لكن بجملة سياسية "حداثية" توهم بعداء "التكفير"، وهي تحرص على تأبيد شروط إنتاجه، أو على الأقل تحرص على أن يظل عصيا عن التفسير والمواجهة، سواء أقصدت ذلك أم لم تقصد بخطاباتها الصدامية ومقترحاتها التشريعية، وبسعيها الدؤوب لاستثمار "الإرهاب" لضرب الانتقال الديمقراطي
الرئيس أردوغان تحدث باعتباره رئيس دولة وليس باعتباره محققا أو قاضيا. وقد كان مصيبا في ترك القضية مفتوحة، وهو ما يعني أن نتيجتها النهائية ستكون مربوطة بنتائج تحقيقات النائب العام التركي من ناحية أولى، وبتطور الموقف السعودي والمواقف الدولية من جهة ثانية
الواضح أن المشهد الإعلامي التونسي لا يخضع لطرف مفرد، بل يخضع لجملة من الاستراتيجيات المتنازعة التي أنتجت ما يُسمّى ب"أثر النفي المتبادل"، أي إننا أمام وضعية تنفي فيها كل استراتيجية باقي الاستراتيجيات، وهو ما ولّد نوعا من العطالة المعمّمة ومنع أي إصلاح حقيقي للمشهد الإعلامي
لا شك في أن القوى الراغبة في التغيير أو الإصلاح مضطرة إلى العمل ضد المنظومة، ولكن بالقوانين المنظمة للعملين الحزبي والجمعياتي حتى لا يكون عملها "فوضويا" أو "جهاديا"يوجّه ضد الدولة وفلسفة وجودها.
لا شك في أن أكبر متضرر من ذلك كله هو "الحقيقة" ذاتها، ولكن هل إن اليسار التونسي ما زال مشغولا بسؤال "الحقيقة" (معرفيا وسياسيا) بعد أن تخلى عن المحدد الثاني من محددات المثقف العضوي: "الانحياز لمن هم أسفل السلم الاجتماعي"؟
لماذا لم يمتنع السيد الباجي قائد السبسي عن الترشح لرئاسة الجمهورية، ويبقى في زعامة الحزب الذي سيشكل الحكومة تبعا للدستور. أي لماذا فضّل السيد قائد السبسي أن يترشح للرئاسة؛ رغم علمه بمحدودية صلاحيات رئيس الدولة مقارنة بصلاحيات رئيس الوزراء؟
مثلما احتاجت المنظومة إلى مقولة "الاستثناء التونسي" لتدير المسار الانتقالي بصورة تضمن عودة الوجوه والمصالح القديمة، فإنها قد احتاجت إلى فرض السردية البورقيبية باعتبارها "الخطاب الكبير"
لمعرفة واقع "الاستثناء التونسي" في مسار الثورات العربية بعيدا عن الادعاءات الذاتية، يمكننا اعتماد المنظور المقارني، وهو منظور تزداد قيمته الإجرائية كلما كان من نقارنه بالمسار الانتقالي التونسي مسارا سلطويا أبعد ما تكون عن روح الثورات العربية، بل من أشدها عداء لها. ولن نجد أفضل من المملكة العربية