قضايا وآراء

في ذكرى استشهاد "أبو جهاد"... اختفاء المشروع وتبدد الأحلام

1300x600
لم يكن يوم السادس عشر من أبريل/نيسان عام 1988 يوما عاديا، فقد مر يوم كالصاعقة على كل من تبقى له أمل في ديمومة الكفاح المسلح والثورة التي تريد نصرا، في هذا اليوم اجتمعت كل الخيوط لتنسج حكاية غدر وجريمة كانت أدواتها الصهيونية والأمن العربي الهش إلا على أبناء جلدتهم ومصالح من يريد إنهاء ملف المقاومة حتى يتسنى له أن يلبس ربطة عنق.

في هذا اليوم أطلقت رصاصات الموساد الصهيوني بتخاذل أمني عربي نحو جسد حمل عقل وقلب فلسطيني بكل ما حملت الكلمة من معنى إنه الشهيد خليل الوزير أبو جهاد.

 أبو جهاد شخصية فريدة من نوعها وبإصرارها، فلم يكد يبلغ الثالثة والعشرين حتى انطلق بثورة بدأها في صفوف الإخوان المسلمين عبر انطلاقة تختلف عن كل الانطلاقات.. انطلاقة فجرت ثورة من خلال تنكات (وعاء معدني يستخدم لحفظ الزيوت) ملأها بمادة TNT لتكون كفيلة بتدمير خزان زوهر عام 1956.

وبعد رفض الإخوان مشروعا قدمه بتشكيل تنظيم فلسطيني لا يحمل صفة أيديولوجية أخذ على عاتقه تنفيذ المشروع وقام إلى جانب رفاقه بتأسيس حركة فتح وبذلك فتح صفحة جديدة من تاريخ العمل الوطني الفلسطيني.

باستشهاد أبو جهاد ولى زمن "بدلات السفاري" ذات اللون الكاكي، وولى زمن القطاع الغربي، ففي مقابلة أجريت مع العميل عبد الحميد الرجوب ضمن فلم استقصائي حول العملاء قال بالحرف الواحد: "فتح مش مثل التنظيمات الثانية فتح إذا مات الزلمة (الرجل) مات المشروع تاعه فعلى سبيل المثال لو مات أبو جهاد مات الي وراه" هذا العميل أخطأ بكل كلمة قالها بحياته إلا في هذه العبارة، نعم حركة فتح إذا ما مات القائد تفكك المشروع، فبعد الشهيد أبو جهاد تبدد واختفى القطاع الغربي وهو الجهاز العسكري الذي كان يتولى قيادته الشهيد خليل الوزير أبو جهاد حيث كانت مهامه العمل الفدائي في فلسطين، واختفت بعده عمليات بحجم "عملية سافوي" وهي عملية ضخمة استطاع من خلالها أبو جهاد أن يخترق العدو الصهيوني بثلة من الفدائيين ليدخلوا فلسطين عبر البحر وينفذون هذه العملية التي أسفر عنها عشرات القتلى الصهاينة، كما اختفت عمليات اغتيال بحجم اغتيال خبير المتفجرات الصهيوني البرت ليفي، أما ميناء إيلات فقد بات ينام مطمئنا بعد استشهاد أبو جهاد فلم يعد هناك تهديد بقصفه كما حدث عام 1979، ومفاعل ديمونة بات دون تهديد أو وعيد، واستمرت صناعة القنابل الذرية دون كلمة توجه له بعد أن وجه له أبو جهاد رصاصاته الأخيرة.

والمفارقة العجيبة أن هذا الجهاز أي جهاز القطاع الغربي لم يختف وحسب وإنما تحول بعض قياداته مثل محمد المدني لاستلام ملف التواصل مع مؤسسات المجتمع "الإسرائيلي" فكيف له أن يقنعني أو يقنع الشعب الفلسطيني أنه لم يشارك في اغتيال الوزير، لا أتهمه باغتياله بيده وإنما شكّل انحرافه اغتيالا معنويا لمشروع سقي بدماء الشهداء.

 لم تكن هذه هي الحالة الأولى لتبدد المشاريع واختفائها بعد استشهاد قائدها فمن يتتبع التاريخ يسأل أين ذهب جهاز الأمن الموحد الذي كان يقوده الشهيد صلاح خلف، ففي يوم من الأيام كنت بصدد عمل فيلم وثائقي عن الشهيد صلاح خلف فكان من الطبيعي أن ألتقي بمن كان حوله، فالتقيت بمجموعة من مساعديه، فسألتهم: بعد أبو إياد أين ذهبتم؟ فكانت الإجابة "تيتمنا بعد أبو إياد وصرنا مهمشين وكأننا شوال بطاطا في الزاوية"، فهل يعقل أن يقبل كادر أمني مدرب على نفسه التهميش؟ التقصير وعدم الإصرار هو السبب الرئيسي لهذا اليتم، ومن المفارقات أيضا أن بعضا من قيادات هذا الجهاز أسسوا أجهزة أمنية سلطوية أسهمت في محاربة وملاحقة المقاومة.

ومن هنا نخلص لنتيجة أن الانحراف السياسي هو أساس المصائب، وهو من حول الفدائي إلى منسق أمني، كما أن سياسة القائد الأوحد وفقدان المؤسسية هي من أهم أسباب تبدد المشاريع واختفائها باختفاء القائد، إضافة إلى أن سياسة التمويل سبب رئيس في شلل أي مشروع، فالاعتماد على جهة تمويلية واحدة ومحاربة أي محاولة للتمويل الذاتي كانت دائما من أهم أسباب شلل آلة العمل، لا نريد من هنا المزايدة على الشهداء فهم أفضل منّا جميعا، ولكن نريد معرفة أسباب الاختفاء وانتهاء المشاريع.

وعليه يجب على الحركات الجهادية والنضالية في زماننا هذا أن تتعلم هذا الدرس: المؤسسية في العمل هي أهم بند لاستمرار المشروع وتحقيق الهدف. 

رحم الله أبو جهاد وكل شهدائنا الأبرار.