إعلام السيسي يطلق نيرانه باتجاه شيخ الأزهر (بورتريه)
عربي21- علي سعادة02-Feb-1707:15 AM
شارك
شيخ الازهر - أحمد الطيب
قربه الشديد من عبدالفتاح السيسي، وتأييده المطلق للانقلاب العسكري، وعداؤه الشديد لـ"جماعة الإخوان المسلمين"، لم تشفع له، ووضعته -كما وضعت آخرين غيره من المواليين- في مرمى نيران الصحف المصرية، والإعلاميين الموالين للدولة.
الحملة الأخيرة ضده كانت مبرمجة، وبضوء أخضر من السيسي شخصيا؛ لإجباره على تقديم استقالته من منصبه، بعد العتاب الذي وجهه إليه السيسي علانية، بقوله: "تَعَبْتِنِي يا فضيلة الإمام".
وكان السيسي طالب شيخ الأزهر، الدكتور أحمد الطيب، في كلمته باحتفالية عيد الشرطة، بالبحث عن حل فقهي لتقليل حالات الطلاق المرتفعة في مصر، التي تعدت نسبة أربعين بالمئة؛ بسبب إيقاع الطلاق الشفهي دون توثيق، مخاطبا له مازحا: "ولا إيه يا فضيلة الإمام.. أنت تعبتني".
البعض اعتبرها مجرد دعابة، لكنها دعابة تحولت إلى "جد"، ليكون الطلاق الشفوي الذي يقع بين الزوجين مقدمة لطلاق بائن بينونة كبرى بينه وبين السلطة، بعد أن أعلن الأزهر أنه لن يحرم ما أحله الشرع.
لم يثر شيخ الأزهر الجدل حوله في القضايا الدينية الشائكة، وكان سريع الرد عن كل ما ينسب إليه في أي فتوى واسع العلم، وفقا للدارسين، ولم يدخل من قبل في مناقشة قضايا خلافية، ولم يصدر حين كان مفتيا لمصر فتاوى تثير الجدل.
ينتمي أحمد محمد أحمد الطيب، المولود عام 1946 في دشنا بقنا جنوبي مصر، إلى أسرة صوفية، ويرأس طريقة "الأحمدية" الصوفية، خلفا لوالده وجده الراحلين.
حصل على شهادة البكالوريوس في العقيدة والفلسفة عام 1969، ثم شهادة الماجستير عام 1971، ودرجة الدكتوراه عام 1977 في التخصص ذاته من الأزهر.
عمل معيدا، ومدرسا مساعدا، ومدرسا، وأستاذا مساعدا للعقيدة والفلسفة، وشغل منصب مفتي الجمهورية من عام 2002 حتى عام 2003، تولى بعدها منصب رئيس جامعة الأزهر عام 2003.
عين في موقع شيخ الجامع الأزهر منذ عام 2010، خلفا للدكتور محمد سيد طنطاوي، الذي توفي في الرياض إثر نوبة قلبية.
ومن أبرز القضايا التي تعامل معها الطيب خلال فترة رئاسته لجامعة الأزهر، أزمة "تدرّب طلاب الإخوان المسلمين في الجامعة على الفنون القتالية "، حيث واجهها الطيب بحزم، وتم اعتقال حوالي 180 طالبا من المدينة الجامعية.
أما آراؤه الفقهية، فالطيب يرى مثلا أن النقاب عادة من العادات، كالزي العربي القديم، وأن الفريضة هي الحجاب.
وكان من أبرز فتاواه حينما كان مفتيا قوله بإباحة بيع المسلم للخمور في بلد غير مسلم لغير المسلمين، الأمر الذي أثار حفيظة عدد كبير من العلماء المسلمين.
ترجم عددا من المراجع الفرنسية إلى اللغة العربية، وعمل محاضرا جامعيا لمدة في فرنسا، ولديه مؤلفات عديدة في الفقه والشريعة وفي التصوف الإسلامي.
سياسيا، كان الطيب عضوا بأمانة السياسات بـ"الحزب الوطني" الحاكم، وعندما عين شيخا للأزهر رفض في البداية الاستقالة من الحزب؛ بذريعة عدم وجود تعارض بين الاثنين، لكنه استقال من الحزب في النهاية، معللا ذلك بقوله "إن مؤسسة الأزهر لا تحمل أجندة الحكومة على عاتقها، لكن الأزهر ينبغي ألّا يكون ضد الحكومة؛ لأنه جزء من الدولة، وليس مطلوبا منه أن يبارك كل ما تقوم به الحكومة، وعندما جئت شيخا للأزهر وافق الرئيس مبارك على استقالتي من عضوية المكتب السياسي للحزب الوطني؛ كي يتحرر الأزهر من أي قيد".
موقف الطيب من ثورة 25 كانون الثاني/ يناير كان متقلبا ومتذبذبا ، فهو بداية شدد على الحقوق المشروعة للشعب في العدل والحرية والعيش الكريم، وفي الوقت نفسه وصف مطالب المتظاهرين بأنها "عادلة"، لكنه حذر من الفوضى، مناشدا الجماهير الالتزام بالهدوء.
ولكنه عاد وتحدث بوضوح أكثر بعد خطاب مبارك الثاني، قائلا إن التظاهرات في التحرير: "بهذا الشكل حرام شرعا " و"دعوة للفوضى"، بعد انتهاء النظام الحاكم وتحقيق مطالب الشباب، ومن ثم زال المبرر الشرعي للتظاهر.
وبالرغم من موقفه هذا، إلا أنه أيد مظاهرات 30 حزيران/ يونيو عام 2013 ضد الرئيس محمد مرسي، وشارك في انقلاب 3 تموز/ يوليو عام 2013، لكنه أعلن الاعتزال بقريته في الصعيد أياما، عقب الفض الدموي لميداني" رابعة والنهضة"؛ احتجاجا.
الحديث عن استقالة الطيب أخيرا بعد "دعابة السيسي" لم يكن الأول؛ فقد سبق أن سربت وسائل إعلام مقربة من السلطة عن عزمه تقديم استقالته، والتعلل بمرضه وكبر سنه، وذلك عقب افتتاح قناة "الأزهر" الفضائية في شهر رمضان الماضي.
وذهبت وسائل الإعلام إلى حد تداول عدد من الأسماء المرشحة لخلافة الطيب، بعد أن شاع الحديث عن أزمة حادة تدور في الكواليس بين المؤسسة الدينية ومؤسسات الدولة، منذ قيام السيسي بتوجيه أكثر من دعوة لـ"تجديد الخطاب الديني"، مؤكدا أن تلك الدعوة اعتبرها الطيب "إهانة لمؤسسة الأزهر ولشخصه".
وطالبت مشيخة الأزهر بعض الجهات السيادية بالتدخل بشكل مباشر في وقف الانتقادات والحملات الإعلامية ضدها دون جدوى، وهو ما استدل منه شيخ الأزهر أن الدولة غير مرتاحة لدوره خلال المرحلة الحالية.
وينص الدستور المصري في المادة رقم 7 على أن "شيخ الأزهر مستقل غير قابل للعزل، وينظّم القانون طريقة اختياره من بين أعضاء هيئة كبار العلماء".
وفي خطوة غير مسبوقة في تاريخ مصر زادت من شق الخلاف بين الأزهر والحكم ،أعلنت وزارة الأوقاف انتهاءها من إعداد خطة للدعوة الإسلامية في البلاد، وحددت موضوعات خطب الجمعة لمدة خمس سنوات مقبلة، تمهيدا لإرسالها إلى عبدالفتاح السيسي؛ لاعتمادها قبل إلقائها بالمساجد.
واعترض شيخ الأزهر بشدة على مشروع خطبة الجمعة المكتوبة الذي اقترحه السيسي، وأصدر بيانا لهيئة كبار العلماء بالأزهر يهاجم فيه توحيد الخطبة. وكان السيسي أصدر قرارا بإنشاء لجنة لوضع خطبة الجمعة الموحدة، مستثنيا منها شيخ الأزهر وأعضاء هيئة كبار العلماء.
وبدا وكأن هوة الخلاف بين السلطات في مصر وبين شيخ الأزهر آخذة في الاتساع، حتى بات من الصعب إخفاء عدم الارتياح المتبادل بين الطيب والسيسي في المناسبات العامة، كما يقول مراقبون.
ورفض شيخ الأزهر إصدار فتوى بتكفير "تنظيم الدولة" و"جبهة النصرة"، مخالفا توجه النظام في هذا الشأن.
وبعد أن شارك الطيب في مؤتمر الشيشان في آب/ أغسطس الماضي، الذي هاجم السعودية والفكر السلفي، عاد وأعلن تبرؤه من المؤتمر، وأكد أنه تعرض للتضليل، وأشاد بالسعودية، في وقت كانت فيه العلاقات متوترة بين السيسي والرياض.
وفي تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، قرر الطيب تشكيل لجنة من علماء الأزهر؛ للتصدي لخطر الشيعة، والرد على معتقداتهم، وهو موقف يتعارض بوضوح مع التقارب المصري الإيراني أخيرا، ويصب في مصلحة السعودية، الخصم الأساسي لإيران في المنطقة، بحسب مراقبين.
وفي الاحتفال بالمولد النبوي الشريف الأخير، تعمد السيسي إحراج شيخ الأزهر، حينما قال ساخرا: "فضيلة الإمام كل ما أشوفه أقوله إنت بتعذبني، يقولي إنت بتحبني ولا حكايتك إيه؟"، وتابع: "أنا بحب فضيلتك، وبقدرك، وبحترمك بجد، وتبقى مصيبة لو كنتوا فاكرين غير كده".
وكان كلام الغزل العلني هذا يخفي خلفه "عتبا ودعابة" التقطها الإعلام الموالي، ليحول سهامه نحو شيخ الأزهر، الذي كان حتى وقت قريب جزءا من تشكيلة الفريق الأساسية للحكم في مصر ، لكن رياح الأزهر جرت على غير ما اشتهت سفن العسكر والموالين لهم من إعلاميين.
من المؤكد أن الطيب سيصمد لفترة طويلة أمام الإعلاميين والسياسيين الموالين، المطالبين باستقالته، لكنه قد لا يصمد كثيرا إذا من اشتدت المعركة ودخلت فيها أطراف أخرى وارتفع سقف لغة الخطاب إلى وصلات طويلة من الشتائم والردح، كعادة الإعلام المصري بعد 25 كانون الثاني/ يناير 2011.