لا يمكن لمكوجي سجّل صراخا يقول فيه "أنا بكره إسرائيل وبحب حسني مبارك" أن يتحول إلى مطرب بصيحة واحدة ولحن واحد، فلا مكان لهذا الرجل في عالم الفن وبين الفنانين... هذا ملخص الرسالة التي حرص الممثل القدير الراحل وحيد سيف على تسجيلها قبل وفاته في إحدى حواراته المتلفزة، كنموذج لعشرات الرسائل التي سبق أن سجلها أكاديميون وموسيقيون مصريون كبار لتنزيه الفن المصري عما يقدمه شعبان عبد الرحيم الملقب بِشعبولا من أضغاث صوتية ينسبها البعض عن جهل إلى الفن الشعبي.
انتقاد شعبولا وضيقُ الصدر العلمي بإفرازاته في السوق الإستهلاكي متعدد الأبعاد، فإلى جانب انعدام العناصر الفنية لديه من الألحان الموسيقية والصوت الطربي، هناك مشكلة أساسية في اختياره للكلمات، فهو يعتمد تقنية تلاميذ المرحلة الابتدائية في مباريات نَظم الشعر، فيضع الفكرة أمامه ويبحث لها عن كلمات ضائعة لا يجمع بينها إلا قوافيها، و"إيه" لازمتُهُ تشكل له المبتدأ والخبر وظروف المكان والزمان الرديء.
حتى الصيحة التي أطلقها وأطلقته "أنا بكره إسرائيل"، فهي تغفو على ركاكة قلّ نظيرها في المعنى والمبنى، لكنه ذهب إلى التجارة الرائجة، فلسطين.. ومع ذلك فإنه سخر صيحته هذه لصالح نظام متصالح مع إسرائيل، فقبل أن يذكر حياءً الرئيس ياسر عرفات، قال "بحب حسني مبارك عشان عقله الكبير" ، وكأنه بذلك يدعو بقصد أو بدونه إلى التأسّي بعقل مبارك والتطبيع مع إسرائيل بدل الترويج لمقاومتها. وعندما يبلغ حسه الثوري ذروته لا يتغنى بعبد العزيز الرنتيسي أو جورج حبش، بل يردد في نفس الصيحة "وبحب عمرو موسى بكلامه الموزون"، عمرو موسى الذي لم تساعده قدماه على التجاوب مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان والإنسحاب معه من منتدى دافوس عندما غضب أردوغان على شيمون بيريز تضامناً مع الفلسطينيين. ومع ذلك فقد لاقت "أنا بكره إسرائيل" رواجاً واسعاً لأن العاطفة الشعبية العربية مضادة لإسرائيل بكل بساطة، وهذا ما دفع جهات إسرائيلية إلى انتقاد صيحة شعبولا في حينه، بينما الإنتقاد الإسرائيلي الحقيقي هو لاختزان الذاكرة العربية هذا الغضب الكبير على المشروع الصهيوني.
إساءات شعبولا إلى الذائقة العامة لا تقف عند حدود الأدب العربي والعلوم الموسيقية وأصول الغناء وطبقات الصوت، بل تكمل طريقها إلى الشكل والهندام، فلا يوحي حضور شعبولا المرهَق إلا بمجاميع الملامح الغافية على وجوه قطّاع الطرق، لتكتمل القصة بملابس وأكسسوارات ضوضائية تشمل حمل ساعتَي يد بدل الساعة الواحدة في تعبير عن حقد دفين على فقر غير حميد.
هذا الحقد والخوف من شبح العودة إلى مهنة المكوجي التي غادرها ليكوي آذان سامعيه بغناء السوء، دفعه لإطلاق صيحات امتدح فيها أثرياء العالم العربي من الحكام عله يحظى بجُعالة تُرمى على المادحين... لكن أن يبلغ مستوى شعبولا حدّ التغني بالحشد الشعبي العراقي، فيقدم له صيحةً تمجيدية مقابل خمسمئة وأربعين دولاراً (عشرة آلاف جينيه)، فإن الأمر قد تخطى كل التوقّعات.
في السابق رفع الأزهر الشريف دعوى على شعبولا بتهمة ازدراء الأديان بسبب فيديو ظهر فيه وهو يقرأ القرآن بطريقة مريبة، ثم عاد الأزهر وسحب الدعوى بعذر الجهل المدقع للرجل. لكن ما ومَن الذي سيبرر لشعبولا أفندي الآن تغنيه بميليشيات تتهمها المنظمات الدولية قبل المحلية بجرائم "اختطاف وقتل طائفية بحق العراقيين السُنة وهدم مساجد ومنازل ومتاجر سُنية"؟ كما أوردت هيئة الإذاعة البريطانية على موقعها الإلكتروني العربي قبل أيام. ومن سيرفع على شعبولا دعوى الترويج لأعمال عنف وفتن طائفية قد ترقى إلى "جرائم حرب" بحسب توصيف منظمة هيومن رايتس ووتش لممارسات الحشد الشعبي في العراق؟.
الغناء ضد الإرهاب عمل وطني، لكن الغناء مع الإرهاب وضده في "إيه" واحدة، فهذه خلطة التقى فيها الحشد الشعبي مع إبداع شعبولّا القُلّة في نسيج واحد، لِيُنتجا معاً الحشد الشعبولّا.