أقرت السعودية الشهر الماضي موازنة عام 2017 بإنفاق متوقع 890 مليار ريال (نحو 236 مليار دولار أميركي) بزيادة عن حجم الإنفاق الفعلي لعام 2016 بنسبة 8 في المئة، وإيرادات متوقعة 692 مليار ريال (184 مليار دولار)، بعجز متوقع 198 مليار ريال (53 مليار دولار) بنسبة 7.7 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي بالأسعار الثابتة. هذا وقد بلغت المصروفات الفعلية في ميزانية عام 2016 مبلغ 825 مليار ريال (نحو 219 مليار دولار)، فيما بلغت الإيرادات الفعلية مبلغ 528 مليار ريال (نحو 140 مليار دولار)، وبلغ العجز الفعلي مبلغ 297 مليار ريال (نحو 79 مليار دولار) بما يمثل 11.5 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي بالأسعار الثابتة.
وتسعى الحكومة السعودية إلى تغطية العجز المتوقع لموازنة 2017 من خلال السحب من الاحتياطي النقدي والفائض المالي من السنوات الماضية، وإصدار سندات دين داخلياً وخارجياً، فضلا عن الرسوم التي أعلنت عن فرضها على الوافدين، حيث استحدثت الحكومة خطط وبرامج جديدة منها ما يعرف باسم "المقابل المالي"، والذي سيطبق بدءاً من النصف الثاني من العام المقبل 2017 لتوفير مليار ريال بنهاية العام من خلال تطبيق رسوم شهرية على المرافقين والمرافقات فقط، للعمالة الوافدة في السعودية بواقع 100 ريال عن كل مرافق.
وفي عام 2018، من المستهدف تحصيل 24 مليار ريال ، من خلال تطبيق رسوم على الأعداد الفائضة عن أعداد العمالة السعودية في كل قطاع بواقع 400 ريال شهرياً عن كل عامل وافد، فيما ستدفع العمالة الأقل من أعداد العمالة السعودية 300 ريال شهرياً، وسيدفع كل مرافق 200 ريال شهريا. وفي العام 2019، من المستهدف تحصيل 44 مليار ريال، من خلال زيادة المقابل المالي للعمالة الوافدة في القطاعات ذات الأعداد الأقل من السعوديين إلى 600 ريال شهرياً، وفي القطاعات ذات الأعداد الأعلى من السعوديين إلى 500 ريال شهريا، على أن يرتفع مقابل كل مرافق إلى 300 ريال شهريا. وفي عام 2020، من المستهدف تحصيل 65 مليار ريال، من خلال تحصيل 800 ريال على الأعداد الفائضة من العمالة الوافدة عن أعداد العمالة السعودية، فيما سيكون المقابل 700 ريال، على العمالة الأقل من أعداد العمالة السعودية في نفس القطاع.
وهذا الاتجاه في السياسة المالية السعودية لن يؤتي أكله المأمولة، ومخاطره تفوق منافعه. فإذا كانت هذه السياسة الجبائية ستزيد من موارد الموازنة العامة للدولة وفق المخطط لها. فقد لا يتحقق ذلك في حالة تفضيل الوافدين مغادرة البلاد على دفع تلك الرسوم.
كما أن ما ينتج عن هذه القرارات من التخلص من جزء ليس هينا من العمالة الوافدة خاصة العمالة الكفؤة الذين يمثلون دورا مهما في بنيان الاقتصاد السعودي، لا سيما في الوظائف التي يعكف السعوديون عن العمل فيها، أو ليس لهم المقدرة على شغلها لن يكون ذات تأثير تعويضي مناسب لتقليل البطالة السعوية التي تبلغ نحو 13%.
كما أن وجود تلك الرسوم في حال التخلص من العمالة الوافدة سيزيد من تكلفة العمالة المحلية لانخفاض عرضها. وفي حالة اعتماد الشركات السعودية على العمالة الوافدة سيزيد أيضا من تكلفة العمالة نتيجة تحمل هذه الرسوم، وهو الأمر الذي سيؤدي -حتما- في الحالتين السابقتين إلى ارتفاع تكاليف السلع والخدمات، وهو ما يعني تحميل تلك الرسوم للمستهلكين ، ومن ثم ارتفاع نسبة التضخم.
وقد يؤدي هذا مع الاتجاه الحكومي لسياسة التقشف إلى ركود تضخمي خاصة في حالة انخفاض العمالة الوافدة لانخفاض الطلب على السلع والخدمات ، واكتواء الناس بغلاء الأسعار، وحدوث شلل في قطاع العقارات لاسيما ما يتعلق بالإيجارات، واتجاه العديد من الاستثمارات إلى التخلص من الخسائر من خلال تصفية المشروعات، بل وإعلان إفلاسها، الأمر الذي يضرب الاستثمارات في مقتل، ويؤثر سلبا على القيمة المضافة.
إنه لا احد ينكر معاناة الاقتصاد السعودي في ظل انخفاض أسعار النفط، ودخول السعودية في حرب مباشرة في اليمن، وما نجم عن ذلك من عجز في الميزانية السعودية، ولكن لا ينبغي أن يتم علاج ذلك من خلال أخذ ما في جيوب الوافدين ودفعها للمواطنين، باسم تنويع مصادر الدخل، والسعودة ، ودعم القطاعات الاقتصادية التي يتواجد فيها أعداد قليلة من العمالة السعودية، وتوجيه الدعم الحكومي على السلع والطاقة للمواطنين.
إن اتجاه الحكومة السعودية لتقرير الجباية مسلكا ومنهجا بعيدا عن العدالة سيزيد الأمر سوءا، خاصة الاتجاه لفرض رسوم على التحويلات للخارج، والحجاج والمعتمرين لبيت الله وإقرار ضريبة القيمة المضافة. فكل ذلك ما هو إلا ترقيع للمشاكل والأولى الاتجاه لتقرير تنمية حقيقية تنوع الموارد المالية من خلال تنويع الأنشطة الاقتصادية، خاصة وأن الله تعالي كتب لهذه البلاد الرزق من الثمرات منذ دعوة أبو الأنبياء إبراهيم عليه السلام.
أما المنظور الشرعي لتلك الرسوم فقد بدا واضحا من رأي فضيلة مفتي المملكة الشيخ عبد العزيز آال الشيخ الذي دعا فيه وزارة العمل السعودية إلى إعادة النظر في الرسوم التي قررتها على العمالة الوافدة، واصفا القرار بأنه لا مبرر له، وبأنه لم يتم على أمور واضحة، مطالبا وزارة العمل بعلاج هذه المسألة، مبينا أنها لم توضح ما هي الأشياء المبنية على أخذ هذا المبلغ من العامل، متساءلا عن الأسباب التي دفعتهم لذلك؟ وهل الأسباب مقنعة لفرض الرسوم عليهم؟، مطالبا من وقع عليه قرار رفع الرسوم مراجعة الجهات المعنية؛ لأخذ حقوقه بالقانون الذي هو مكفول له، مضيفا أنه لا بد من مراجعة وزارة العمل لقرارها بتعقل وتفكر، وإعطاء العمالة رواتبهم دون تأخير؛ للتخلص من حقوقهم، والإحسان إليهم، ودعوة غير المسلمين منهم للإسلام.
لقد آن الآوان للحكومة السعودية أن تبعد عن هذا النهج الجبائي، والعمل على ترسيخ مكانتها الروحية باعتبارها قبلة المسلمين وموضع ثقتهم لتحقيق العدالة وفتح آفاق العمل البناء أمامهم، مع توطين أمورها بما لديها من ثروات، والدخول كلاعب رئيس في سوق النفط بمكانتها وحصتها، مع تنويع هيكل النشاط الاقتصادي بما يسمح بزيادة متوسط الدخل القومي، ويسهم في عدالة التوزيع، وامتصاص البطالة.