"ما وصل إليه سنة العراق اليوم من هوان وذل وانقسام وضعة، وهم الذين حكموا العراق لقرون ممتدة.. من يتحمله سيادة النائب؟".
وجهت هذا السؤال للسيد طارق الهاشمي نائب رئيس الجمهورية العراقية السابق، في حديث جانبي أحرص عليه قبل الظهور على الهواء في التلفاز، والرجل قال كلاما كبيرا، وعبّر عن بعضه في أثناء اللقاء، وخلاصة حديثه أنه كان يرى المشاركة السياسية إبان الغزو الأمريكي للعراق، وكان يدعو السنة للانخراط والمشاركة، جازما لهم أن الأمريكان سيرحلون، ولن يبقوا في العراق، ولكن السنة –وقتها- انحاز أكثرهم بعدم الانخراط في تلكم الانتخابات التي دخلها الشيعة بدعم إيراني كامل، مشفوعة بالفتاوى من المرجعيات الكبرى، وهيمنت على الحكم.
طارق الهاشمي قال بكل ألم في أثناء اللقاء: "أتكلم وقلبي مجروح ..ووجهت نداءاتي منذ 2004م بمواجهة المشروع الإيراني ..ولم يلتفت لي أحد".
الآخرون من السنة العراقيين يرون أن الفصيل السني الذي دخل العملية السياسية، وتعاون مع المحتل، واقتنع بالوعود الكاذبة لما كان يعدهم به زلماي خليل زادة السفير الأمريكي إبان الاحتلال؛ كانوا على خطأ كبير، وأعطوا الشرعية لكل ما حصل ويحصل اليوم في العراق، وهناك الصحوات التي فتكت بأهل السنة والمقاومة، فضلا عن بعض شيوخ القبائل الذين سملت أعينهم الدولارات الخضراء، فأغمدوا خناجرهم في ظهر أهل السنة بالعراق.
بغض النظر اليوم، فليس من الحكمة أن نتقاذف التهم والتقصير، ومن الذي جانبه الصواب× لأن ما يحصل لسنة العراق اليوم أمر مؤلم جدا، وهم في وضع لا يقبل به أي رجل له شرف ومروءة، وليس السنة وحدهم، بل كل العراق بأطيافه ومذاهبه وطوائفه، بما قال الهاشمي؛ إنه تحول من دولة مدنية إلى دولة ولاية الفقيه، يتلقى أوامره من إيران، وتجوب المليشيات كل أراضي الرافدين.
الأخطر في المسألة العراقية اليوم، هو موضوع الحشد الشعبي، أولئك المرتزقة الذين انخرطوا في جماعات قتالية متعصبة، ولا يعرف عنهم سوى السحل والتعذيب والتفنن في أساليب القتل الوحشية، ولا يأتمرون إلا للولي الفقيه، فهؤلاء الخطر القادم على دول الخليج وتركيا تحديدا، وعبرهم ربما سترسم خرائط جديدة بما يريده الغرب للمنطقة.
طارق الهاشمي لثلاث مرات في أثناء حواري معه الجمعة الماضية في برنامج "ملفات خليجية"، نبه إلى هذا الخطر، وأن العراق والمنطقة سيكونون إزاء مشكلة كبيرة بعد الانتهاء من داعش، فهؤلاء الحشد سينقلبون على الحكومة العراقية التي لا تملك السيطرة عليهم، وينقلب الوحش الذي يكبر اليوم ويطالب بأسلحة متطورة ودبابات وطائرات، وربما سيتجهون بعدها للخارج، فبعض الحشد اليوم يقاتل في سوريا.
استشرفت من الصديق د. مجاهد الصواف عن رؤية سنة العراق الذين رفضوا الانخراط مع المحتل، في الكيفية التي يمكن أن تجمع كلمة أهل السنة، وهم الذين باتوا أيدي سبأ للأسف، وذهبت ريحهم، فأجابني: "الحل في قيادة سنية جديدة، نظيفة اليد تتكلم عن العراق كعراق، بعيدا عن المذهبية والطائفية، قيادة لم تمد يدها للمحتل، وبها النفس العروبي، وتحيي هذه الروح التي ترفض التدخلات الإيرانية المهيمنة اليوم، ففي جنوب العراق قبائل عربية، هي منا ونحن منهم، ويرفضون هيمنة هؤلاء".
لا مناص أن تتدخل الدول المؤثرة في المنطقة اليوم لتوحيد السنة في العراق، وبث روح العروبية في الشيعة الشرفاء هناك، وأن توقف هذا التغول الإقليمي الخارجي الكامل هناك.
قتل الوحش في مهده وهو طفل أو حتى فتى؛ أسهل كثيرا قبل أن يكبر ويشتد. سنّة العراق.. أيدي سبأ.
الشرق القطرية