قضايا وآراء

حلب.. سَقَطت أم أُسقِطت؟!

1300x600
لم يتوقع أشد المتشائمين سقوط حلب بهذه الطريقة السريعة التراجيدية، حتى النظام أصابه الذهول من سرعة تقدمه، وتفاجأ من انهيارات الثوار اللامنطقية.

فليس ثمة مبررات تقنع أحدا بسرعة سقوط حلب الشرقية، فالمقاتلون بالآلاف ويمتلكون خبرة وكفاءة قتالية عالية، وصدوا مئات محاولات التقدم للنظام على جبهات صلاح الدين وسيف الدولة وبستان القصر والإذاعة والشيخ سعيد، خلال الأعوام المنصرمة، بل هاجموا حينا وتقدموا، فلمَ تنهارُ جبهات كاملة اليوم، وتسقط أحياء عدة في يوم واحد؟!

لا يمكن إرجاع ذلك للحصار وحده (110 أيام)، فالمدينة حديثة عهد به، ولم تذق مرارته الحقيقية بعد، ولا سيما على صعيد السلاح والذخيرة، فقد كشفت الفيديوهات وجود مخازن تكفي للمقاومة شهورا إن لم نقل سنينا.

ولماذا لم يتحرك الداعمون للثورة، بل لماذا لم يتحرك الثوار في الريف الشمالي وإدلب لنصرة حلب؟ أسئلة كثيرة الإجابة عنها تفسر سقوط حلب.

ما يجري في حلب تنفيذ حرفي للاتفاق الروسي الأمريكي (لافروف، كيري)، فالمتتبع للأحداث يجد ارتياحا أمريكيا لتقدم النظام في حلب، ونجد ذلك أوضح عند دي ميستورا الذي تحدث صراحة عن أيام محدودة لمعركة حلب وحسمها لصالح النظام، رغم أنها كانت في بدايتها، فرضى الأمريكان والمبعوث الدولي غير خاف على أحد. ومن ناحية أُخرى مُنِعَ جيش الفتح من نصرة حلب بعد فشل المحاولتين السابقتين، وجاء المنع من خلال الضغط على بعض الفصائل لتمتنع عن وضع يدها مع "فتح الشام"، الفصيل الأبرز في جيش الفتح.

وكبّل الأمريكان والروس الأتراك من خلال عملية درع الفرات، فقد شعرت تركيا بالخديعة عندما عاداها العرب، ولم يشاركوها دعما حقيقيا للثورة، فرضي الأتراك بحفظ أمن حدودهم من خطر الكرد وداعش، واكتفوا بالضغط السياسي الذي لم يجد نفعا أمام الإرادتين الأمريكية الروسية.

ويبقى السؤال المهم: ماذا بعد حلب؟ ويوضح جوابه أيضا لماذا أُسقطت حلب. فالنظام السوري لن يستطيع السيطرة على الريف الحلبي الشمالي والشرقي، والغربي لحد ما، فقوات "درع الفرات" المدعومة تركيا تدخلت وطردت تنظيم الدولة من الريف الشمالي والشرقي بموافقة أمريكية روسية، ومحال بالتالي أن تقصف الطائرات الروسية قوات "درع الفرات" باعتبارها مُحصّنة باتفاقات دولية، باعتبارها باتت جزءا من الحرب على الإرهاب (تنظيم الدولة). ويلاحظ المتابع أن قوات "درع الفرات" تسير ضمن حدود مرسومة لها لا يُسمح لها بتجاوزها، كما حصل عندما حاول الثوار استعادة مدينة تل رفعت من الكرد فمنعوا.

كما أن الروس والأمريكان خصوصا بحاجة ماسة لدرع الفرات في معركة الرقة، ولا سيما بعد استعادة التنظيم السيطرة على مدينة تدمر، فالكرد غير قادرين على اقتحام الرقة، والنظام أعجز من أن يدحر تنظيم الدولة.

إنّ سقوط حلب بهذا الشكل هدفه فرض الرؤية الروسية الأمريكية للحل أي اشتراك القوى جميعها في الحرب ضد تنظيم الدولة أولا، وتأجيل مصير الأسد، وما يحصل في الجبهة الجنوبية من تشكيل تحالف ضد التنظيم صدى لما يُرَتب من قبل اللاعبين الكبار في سوريا.

وهذه الرؤية السياسية والمقاربة العسكرية لا يمكن فرضها على الثوار إلا عبر كسر شوكة الثوار بهزيمة مزلزلة، كما حدث في حلب، فالنظام رغم سيطرته على حلب أضعف من أن يكون له قرار أو رؤية. فالنظام خسر منذ أيام تدمر للمرة الثانية، ومُهدد بخسارة دير الزور على يد تنظيم الدولة، ومهدد من الثوار في ريف حلب واللاذقية وحماة وحمص ودرعا، ناهيك عن النار التي تشتعل تحت الرماد بينه وبين الكرد، ولا سيما بعد سيطرة الكرد على أحياء ذات غالبية عربية داخل مدينة حلب ورفع العلم الكردي دون السوري.

فالنظام السوري أعجز من أن يستمر في حكم سوريا في ظل وجود هذا العدد من الأعداء.

ولا تقل خيارات الثوار مرارة عن خيارات النظام، ولا سيما بعد ارتهان كثير من الفصائل الثورية للداعم الخارجي الذي يسير في الفلك الأمريكي.

ولا نبتعد عن التحليل الصائب إذا قلنا إن إسقاط حلب بداية النهاية للأسد في القاموس الروسي؛ لأنّ الحل النهائي في عين الروس والأمريكان يقوم على رحيل الأسد دون نظامه الأمني، وجيشه الحامي لإسرائيل.

ولا يمكن للثوار إيقاف هذا المخطط في ظل تشرذمهم وتشظيهم وارتهان بعضهم للممول الخارجي، ومن هنا تبرز ضرورة وحدة الصف لمنع المخطط الروسي الأمريكي في صورته النهائية.