قبل مبايعته ملكًا، وقبل ولايته العهد، ولأكثر من ثلاثين عامًا، عرف الملك سلمان بن عبد العزيز بأنه الراعي للملفات الخليجية داخل الحكومة السعودية. يعرفها دولاً، وأسرًا حاكمة، وحكومات، وشعوبًا، وتاريخًا، وقضايا، وعلاقات ثنائية ومشتركة. ومع أن العلاقات بين دول أعضاء مجلس التعاون الخليجي قريبة بحكم كثير من المشتركات والمتشابهات بينها، فإنها أيضًا تتطلب كثيرًا من الحساسية عند العناية بها.
معظم عواصم الخليج العربية، المنخرطة في المجلس، تعي تبدلات المنطقة ومخاطر التغيير المحيطة بها، وإشكالات العلاقات الدولية ذات العلاقة، والصعوبات التي تواجهها اقتصاداتها وميزانيات حكوماتها، والتزاماتها الداخلية والخارجية، خصوصًا إثر انهيارات أسعار النفط، وفيضان الإنتاج الذي يهدد مرة أخرى مداخيلها، بل ووزنها السياسي.
زيارة الملك سلمان، التي شملت أربع عواصم، ومشاركته في قمة البحرين الخليجية، هدفها تعزيز العلاقات التي تحتاجها المنطقة الخليجية، المسؤولة كثيرًا عن استقرار منطقة الشرق الأوسط، ودول الخليج هي طرف أساسي في كثير من أزماتها. وأهمية دول الخليج أكبر بكثير من حجم سكانها، تلعب اليوم الدور الموازن في المنطقة مع غياب القوى العربية التقليدية، تحاول أن تملأ الفراغ الذي نجم بعد ثورات وفوضى الربيع العربي، فهي تمثل أعمدة المنطقة الوحيدة الواقفة، خصوصًا في ظل انشغال البقية في صراع البقاء.
ويمكن أن ننظر إلى الجولة الملكية في إطار تعزيز العلاقة الموجودة والمنظمة داخل إطار مجلس التعاون، الذي بقي صامدًا رغم الخلافات السابقة ورغم الرؤية المتباينة أحيانًا بين الأعضاء حول مسؤوليات المجلس حيال قضايا المنطقة. الجميع يدرك أنه ضرورة في ظل الزلازل المحيطة.
في قمة الخليج التي عقدت في العاصمة البحرينية، اعتبر الملك سلمان الأزمات واحدًا من «إرهاب وصراعات داخلية، وسفك للدماء هو نتيجة حتمية للتحالف بين الإرهاب والطائفية والتدخلات السافرة». يشير بذلك إلى أن إيران تقود جيشًا وميليشيات طائفية من خمس دول تقاتل بها في سوريا والعراق، وتديرها أيضًا حربًا طائفية في اليمن. والتحالف بين الإرهاب والطائفية جلي والكاسب الوحيد منه هو إيران، والخاسر بسببه سوريا والعراق واليمن، وبطبيعة الحال يهدد بقية دول المنطقة، بما فيها الخليجية.
بالنسبة للرياض تدرك أن الحل لمواجهة جبل الأزمات وتكتل الأعداء هو من خلال تعاون مجلس التعاون الخليجي. معظم هذه الدول لو اجتمعت واتفقت قادرة على أن تكون جبهة ضخمة ضد إيران وحلفائها، والجماعات الإرهابية بما فيها «داعش» و«القاعدة»، وقادرة على حسم المواقف الدولية التي تذبذبت خلال فترة الفوضى. تستطيع أن تحسم مواقف معظم الدول الكبرى لصالحها إن قدرت على تكوين موقف موحد من معظم قضايا المنطقة. ولا شك أن الملك سلمان سعى منذ توليه الحكم إلى تقريب المسافات بين العواصم الخليجية بحكم معرفته بها وتعامله الطويل مع قياداتها ومؤسساتها.
وبعد أن انتهت كل من الجولة الملكية، والقمة الخليجية، فإن المشروع الأهم للرياض أن تستمر في إقناع المجموعة الخليجية على العمل معًا من أجل مواجهة إيران التي تريد تغيير الجغرافيا السياسية والهيمنة على شمال وشرق وجنوب شبه الجزيرة العربية، الذي عمليًا سيهدد بقاء المجلس وسلامة دوله. لا شك أن الملك سلمان، بالاحترام الذي يتمتع به والخبرة والعلاقة الخاصة، قادر على تصحيح، بل وتطوير، العلاقات الخليجية وإنهاء الخلافات في ظل التهديدات الحقيقية التي تمر بها المنطقة عمومًا، والخليج تحديدًا. فهل يمكن أن يجمد المختلفون قضاياهم ولو مؤقتًا؟