كتاب عربي 21

وإذا سقطت حلب فلوموا أنفسكم!

1300x600
ماذا تفعل لو كنت مكاني، وهناك من قتل أطفالك، وجيرانك وأصدقاءك، ودمر المدارس، والمنازل والمستشفيات، هل يمكنك العودة إليه ثانية؟ إن الموت أفضل من العودة إلى النظام!

هكذا علق المواطن السوري ابن مدينة حلب عبد الكافي على الوضع الحالي الذي تجتاح فيه ميلشيات إيرانية مدعومة من الروس وجيش بشار وحزب الله أحياء حلب لتنتزع من المعارضة المعقل شبه الأخير الذي كانت تسيطر عليه، انقسمت حلب إلى مدينتين شرقية وغربية، تخاذل العالم عن غوث المدنيين الذين طالتهم قذائف الطائرات التي هدمت المنازل والمستشفيات ودور العبادة وقتلت كل ما يمت للحياة بصلة، وبينما كانت ميلشيات القتل تذبح أهل حلب المعارضين للنظام والذين يفضلون الموت عن الرجوع لقبضة النظام مرة أخرى كانت الاتهامات تتصاعد ويتم تبادلها بين من يفترض أنهم رجال المقاومة، حيث قامت جبهة فتح الشام باقتحام مقرات جيش الإسلام وفيلق الشام في مدينة حلب والاستيلاء على ما بها بدعوى تكاسلهم عن صد الهجوم على المدينة وتم نشر أخبار عن اعتقالات قامت بها الجبهة ضد عناصر من الجيش الحر. 

وقال رئيس المكتب الإعلامي في فيلق الشام متهما جبهة فتح الشام بنهب المقرات: (من بقي من الثوار والمجاهدين داخل حلب يقاومون بكل استطاعتهم منعا لسقوط المدينة، ويقدمون أرواحهم رخيصة في سبيل ذلك، مع قلة إمكانياتهم وعتادهم، ثم نتفاجأ بوجود فئة باغية اعتادت أن تقتات على المجاهدين وسلاحهم وطعامهم ومقراتهم.. لا تظهر إلا في أشد الأزمات، ولا تتكلم إلا باسم الدين والجهاد)، وأضاف: (بعد ليلة مضنية بصد هجوم الميليشيات الطائفية على أحياء السكن الشبابي وما حولها في حلب، عاد الأبطال ليرتاحوا بعد عناء، وخرج الأنذال ليقتاتوا!). 

يحدث كل هذا وسط أتون المعركة وتتوالى التفجيرات التي تستهدف جماعات معارضة تنفذها جماعات معارضة أخرى أو دواعش مختلين ليصب ذلك كله في صالح بقاء السفاح بشار وتمكين دولة الإرهاب، تداعت للذاكرة واقعة اعتداء جنود من جبهة النصرة على شباب وطني من ثوار حلب رفعوا علم الثورة السورية في حلب قبل عدة شهور وإرغامهم على تنكيس الأعلام ورفع أعلام سوداء مكانها، وعدت قليلا للوراء منذ تكون الجيش السوري الحر من منطلق وطني لحماية السوريين من إرهاب عصابات بشار وميلشيات إيران وحزب الله ثم ما لحق بالمشهد السوري من أسلمة للثورة وتمدد لجماعات متشددة بعضها كان يدين بالولاء لتنظيم القاعدة وبعضها ولاؤها لدول إقليمية وبعضها ولاؤها لمن يدفع أكثر.

تلوث المشهد الثوري رغما عن الثوار واحتل الأفاقون منابر الإعلام وكلهم نصب نفسه للحديث باسم الشعب السوري بينما كانت الحقيقة أن الجميع قد خذل الشعب السوري وسلمه للذبح على مائدة الروس والإيرانيين وذيلهم التعيس بشار الأسد. 

دفع الشعب السوري ثمن الحلم بالحرية لكن الثمن كان باهظا والحرية لم تتحقق، وتحولت الثورة السورية لفزاعة للشعوب يرددها الطغاة وعبيد الاستبداد ليقنعوا الشعوب بأن الخنوع والهوان والذل أفضل من الحرية والكرامة الإنسانية وأن البقاء تحت قبضة الاستبداد أفضل من المغامرة للحصول على الحرية.

المأساة الكبرى في فشل الثورة السورية أنها ستخلق نموذجا تاريخيا يدعم الاستبداد والإبادة كوسيلة للسيطرة على الشعوب وحكمها رغما عنها ، هنا وُلد في منطقتنا العربية نموذج دموي (نموذج بشار) يقدم للطغاة وصفة الاستمرار التي تقول: إذا ثار شعبك ضدك فاقتله بلا هوادة، وكلما قتلت أكثر ضمنت استمرارك وبقاءك في الحكم. 

لم ينجح بشار بمفرده ولا بالعون الإيراني والروسي فقط، بل بالتفتت المقابل لمعسكر المقاومة والرضوخ لرغبات المتطرفين وأهوائهم، وحين تأتي لحظات الجد والمواجهة لا تجد هؤلاء المزايدين ولا تسمع لهم صوتا ليصدق فيهم قولة (يكثرون عند الطمع ويقلون عند الفزع)!

بالطبع هناك أحرار مخلصون لا يبغون سوى المصلحة الوطنية والدفاع عن حق الناس في الحياة وهناك شهداء كُثر ارتقوا للسماء من أجل الحرية والكرامة، لكن الآن كل شيء قد اختلط والصورة تشوهت.
 
ستسقط حلب خلال أسابيع أو شهور وسيتم تنكيس علم الثورة السورية ورفع علم بشار، وحينها لا تلوموا إلا أنفسكم، فالله لا ينصر أصحاب الهوى، والشعب الذي تم تهجيره وتفتيته في بقاع الأرض وقُتل منه ما يزيد عن نصف مليون شخص لن يسامح كل من أوصل الأمور لهذا القاع، رحم الله الشهداء وصبر المصابين وقوى المرابطين وكشف أصحاب الهوى عن أصحاب اليقين، إنا لله وإنا إليه راجعون، كانت هنا يوما ثورة!