مقالات مختارة

صبرا آل ياسر

1300x600
على محدودية النشاط الفلسطيني لمناسبة يوم التضامن العالمي مع الشعب الفلسطيني، إلا أن هذا النشاط الذي طغت عليه إعلاميا وقائع المؤتمر السابع لحركة فتح، لا يعكس المؤشرات الحقيقية إزاء التقدم الكبير الذي حققته القضية الفلسطينية على الصعيد الدولي.

كما تقصر الاستعراضات الفلسطينية التي تتحدث عن إنجازات تحققت على المستوى الدولي، عن أن تعكس طابع وحقيقة التقدم الذي تحظى به القضية، ذلك أن المسألة تتعدى لغة الحساب. وفي الغالب فإن العديد من القوى الفلسطينية تتجاهل أو تقلل من أهمية هذا التطور، وبعضها لا يؤمن أصلا بالأمم المتحدة وما يصدر عنها.

لا عذر لهؤلاء حتى لو كان الأمر يتعلق بعدم قدرة الأمم المتحدة على تنفيذ قراراتها على أرض الواقع، فالمشروع الصهيوني كان في الأساس ولا يزال مشروعا استعماريا دوليا، خلقته وفرضته الدول الرأسمالية وضمنت له التحقق والاعتراف من قبل الأمم المتحدة.

هذا يعني أن القضية الفلسطينية وما يترتب عليها من حقوق سواء تاريخية أو جزئية، كالتي يعكسها المشروع الوطني الفلسطيني هي قضية دولية بامتياز، لا يمكن حسمها بالضربة أو بالضربات القاضية، وإنما تحسم بالنقاط.

هكذا لا يكون الحديث عن انتصارات فلسطينية بين الحين والآخر، سوى جزء من خطاب الدعاية الحزبية التي ينسبها هذا الطرف لحسابه، ولا يعترف بها طرف فلسطيني آخر. الاعتراف الذي حصلت عليه دولة فلسطين كعضو مراقب عام 2012 ويبدو على أنه الترجمة الأبرز لتقدم مكانة القضية الفلسطينية دوليا، لم يكن سوى تتويج لديناميات واتساع دائرة التفهم والتضامن مع الشعب الفلسطيني، مما يعني أن المجال مفتوح أمام تحقيق المزيد من مثل هذا الإنجاز وأكثر. تمر وسائل الإعلام مرور الكرام على عشرات القرارات التي تصدر عن مؤسسات الأمم المتحدة، وتؤكد حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره أو تنتصر للرواية الفلسطينية، وبعضها ينسف الرواية الإسرائيلية كما تشهد على ذلك قرارات اليونيسكو. 

في عام 1974 حين صعد الزعيم الراحل ياسر عرفات للمرة الأولى إلى منبر الأمم المتحدة ورفع البندقية بيد وغصن الزيتون بالأخرى، صوتت الجمعية العامة للأمم المتحدة على حق الشعب الفلسطيني بتقرير مصيره، وقد أيد ذلك القرار 89 دولة، بينما اعترضت ثماني وامتنعت 37 دولة عن التصويت، وكان عدد أعضاء الأمم المتحدة 134 دولة.

في مقارنة سريعة بين ذلك التصويت والتصويت الذي جرى في الثالث والعشرين من الشهر المنصرم على قرار أكثر وضوحا، حيث يؤيد حق تقرير المصير والاستقلال للشعب الفلسطيني، بما في ذلك إقامة دولته المستقلة بعاصمتها القدس، سنلاحظ الفارق.

القرار الذي نشير إليه حصل على موافقة 171 دولة ومعارضة 6 دول، منها 3 دول تصوت دائما ضد الحقوق الفلسطينية، هي: الولايات المتحدة وكندا وإسرائيل، بالإضافة إلى 3 دول صغيرة.

كنت دائما أشير إلى أن الوعي المجتمعي الدولي حتى في الدول الرأسمالية التي أسست ودعمت المشروع الصهيوني، هذا الوعي آخذ في النضج والتعرف أكثر على حقائق الصراع، وتعبر المجتمعات عن ذلك بالعديد من المؤشرات العملية التي لابد أن تنعكس يوما على السياسات الرسمية في الدول الديمقراطية.

معهد بروكينغز شريك معهد جافي الإسرائيلي في إنتاج الوثيقة الشهيرة عام 1989 التي ناقشت السيناريوهات المحتملة لتطور الانتفاضة الشعبية الكبرى، هذا المعهد أجرى استطلاعا للرأي خلال الأسبوع الماضي، أظهر أن 45% من المجتمع الأمريكي يؤيدون فرض عقوبات على إسرائيل بسبب سياساتها الاستيطانية، مما جعل وزير الدفاع الإسرائيلي أفيغدور ليبرمان يدعو إلى تأجيل التصويت على شرعنة المستوطنات، إلى أن تتضح سياسة ترامب.

يحصل ذلك فيما الوضع العربي مضطرب إلى أبعد الحدود، بحيث تبدو القضية الفلسطينية غير موجودة، ولا تحظى بالحد الأدنى من الاهتمام الشعبي وباهتمام لفظي، وأحيانا اهتمام ينطوي على كذب ونفاق. ويحصل ذلك فيما الوضع الفلسطيني ليس في أحسن أحواله، بل إنه يعاني بشدة جراء الانقسام، بل الانقسامات التي تضرب الجسد وتستنزف طاقات الشعب في صراعات وخلافات جانبية ورهانات خاسرة، فمن أين يأتي هذا التطور في مستوى التضامن مع القضية الفلسطينية؟

لابد من الاعتراف بأن الشعب الفلسطيني وقواه قد دفع أثمانا باهظة على مذبح النضال التحرري، وأن هذا الشعب أظهر تمسكا بحقوقه وصمودا على أرضه. فبالرغم من كل ما يمكن تسجيله في خانة الأخطاء والخطايا، إلا أن المحصلة هي أن الشعب يمسك بقضيته وحقوقه وثوابته الوطنية.

إذا كان يمكن أن يتطور التضامن الدولي ويتسع أكثر مما هو عليه، لو أن الوضع الفلسطيني مختلف. نقول ذلك لأن المسألة بيد الفلسطينيين بخلاف الوضع العربي الذي لا يبدو أنه يدرك مدى التلازم بين القضية الفلسطينية والاهتمامات والأولويات القطرية.

ينسحب غياب الإدراك على كل القوى السياسية الإرهابية وغير الإرهابية، التي تختار توجيه طاقاتها وصراعاتها ومعاركها بعيدا عن القضية الفلسطينية، الأمر الذي سيجعلها تدفع أثمانا باهظة بسبب غياب هذا الإدراك، ودون أن تحقق الحد الأدنى من أهدافها، باختصار؛ قضية عادلة ومحامون ضعفاء.

لا مجال للندم ويبدو أن الإمعان في تغييب هذا الإدراك سيجعل هؤلاء وأولئك يصرخون في وقت ليس ببعيد "لقد أُكلت يوم أُكل الثور الأبيض". أما العامل الثاني والمهم هو أن إسرائيل تتمادى كثيرا في عدوانيتها وأطماعها، وتنزلق أكثر فأكثر نحو التعرف على طبيعتها العنصرية، فضلا عن أنها اكتسبت صفة الدولة المارقة التي ترفض وتتحدى إرادة المجتمع الدولي والمواثيق والأعراف التي رسختها البشرية عبر قرون، ومن خلال مئات ملايين الضحايا.

لاشك أيضاًفي أن شعوب الأرض وخصوصا في الدول الرأسمالية الداعمة لإسرائيل، قد أخذت تخشى على مصالحها وقيمها لحساب دولة وسياسات لا حدود لعدوانيتها، كما باتت تدرك بأنها تساهم عمليا في دعم عدوانية وعنصرية الكيان الذي يحظى بدعم سخي على حساب دافعي الضرائب.

لا خوف إذا على القضية، ولا يعني مرور نحو سبعين عاما على قيام دولة إسرائيل، بأن القضية وحقوق الشعب الفلسطيني يمكن أن تبهت أو تتراجع حتى لو بدا وكأن دولة الاحتلال تحقق بعض الإنجازات،
فكل ذلك ليس سوى إنجازات وهمية مؤقتة بقياسات التاريخ، لكن اختصار الزمن يقتضي أن يفعل الفلسطينيون اليوم قبل الغد ما يتوجب عليهم فعله لأنفسهم.

الأيام الفلسطينة