حذر ناشطون من أن غوطة دمشق الشرقية وصلت إلى مرحلة الخطر العسكري الحقيقي، بعد أن تقدمت قوات النظام السوري المدعومة بالمليشيات الشيعية؛ وسيطرت على عدة مناطق حيوية في عمق
الغوطة، حتى وصلت هذه القوات إلى تخوم مدينة دوما، كبرى مدن الغوطة، والتي تعتبر عاصمة "
جيش الإسلام" في الغوطة، بالإضافة إلى إيوائها آلاف العائلات المدنية.
فقد تقدمت قوات النظام السوري السبت الماضي، وسيطرت على بلدتي حوش نصري وحوش الفارة، وأجزاء من الريحان عقب معارك عنيفة مع جيش الإسلام، ما أثار حفيظة الأهالي في الغوطة الشرقية، ودفع وجهاءها من كافة مدنها وبلداتها؛ إلى عقد اجتماع الأحد؛ وإصدار بيان مصور تحت اسم "الإنذار الأخير"، علما بأن تقدم قوات النظام مستمر منذ ثلاثة أشهر بشكل متواصل.
وطالب "النداء الأخير" الفصائل التي تخوض صراعات فيما بينها؛ إلى إنشاء غرفة عمليات موحدة، وإرجاع الحقوق لأصحابها وفتح الجبهات "النائمة"، وفي حال عدم الاستجابة لمطالبهم خلال مدة لا تتجاوز 24 ساعة، سيخرج أهالي الغوطة إلى الشوارع بمظاهرات عارمة لتطبيق بنود "الإنذار الأخير".
وكانت قوات النظام قد سيطرت على القطاع الجنوبي من الغوطة الشرقية، وهي منطقة زراعية ويشكل السلة الغذائية للمنطقة، ما يزيد صعوبة الحياة في دوما وما حولها.
بدوره، أكد الناشط الميداني توفيق إسماعيل؛ وجود حالة من الغليان الشعبي في عموم الغوطة بسبب ما آلت إليه الأمور؛ من تقدم قوات النظام ومن معه نحو عمق الغوطة، ما جعلها مهددة بالسقوط.
وأرجع إسماعيل تقدم قوات النظام إلى استمرار الخلافات الحادة التي ما تزال قائمة بين "جيش الإسلام" من جهة، و"
فيلق الرحمن" و"جبهة
فتح الشام" من جهة أخرى، منذ اندلاع الاقتتال الداخلي الذي نشب بين هذه الفصائل قبل أشهر، والذي راح ضحيته مئات المقاتلين والمدنيين من كافة الأطراف.
وقال إسماعيل لـ"
عربي21": "التجييش بين فصائل المعارضة عاد مجدداً ليطفو على السطح، رغم أن الجبهات العسكرية في خطر كبير لم تعشه من قبل، فجيش الإسلام يطالب فيلق الرحمن وجبهة فتح الشام بإرجاع الأسلحة والمعدات العسكرية التي صادراها إبان الاقتتال الداخلي".
وبحسب الناشط السوري، فإن فيلق الرحمن قام بتسليم جيش الإسلام قسما من الأسلحة خلال الفترة الماضية، ولكن جيش الإسلام يؤكد من جهته؛ أن الفيلق ما زال يحتفظ بمستودعات أسلحة وذخائر ومعدات عسكرية أخرى سيطر عليها، منوها إلى أن الأطراف المتناحرة فيما بينها شكلت لجنة سداسية لحل نقاط الخلاف، إلا أن هذه اللجنة لم تنجح إلا بإعادة شيء يسير من أسلحة جيش الإسلام الموجودة لدى بقية الفصائل.
واتهم جيش الإسلام اللجنة السداسية بـ"التحيز" لصالح فيلق الرحمن، معتبراً نفسه "مظلوماً"، وأن اللجنة المشكلة لم تقدم له سوى "المماطلة"، علماً بأن اللجنة المشكلة تمارس عملها منذ قرابة خمسة أشهر.
وقال إسماعيل: "فيلق الرحمن يريد تسوية كافة الملفات ونقاط الخلاف، لذلك فهو يربط هذه النقاط بملف إعادة أسلحة جيش الإسلام التي يصادرها، ومن القضايا التي يقف عندها الفيلق قضية الاغتيالات والمقرات العسكرية، فيما يصر جيش الإسلام على مطلبه باستعادة أسلحته ومعداته المصادرة بادئ الأمر ليستطيع صد تقدم قوات النظام".
وأضاف الناشط السوري: "من هنا ما زالت نقاط الخلاف بين الجانبين متفاقمة، وقوات النظام السوري تجني نتائج ذلك بالتقدم على جبهات جيش الإسلام، مستغلة خمول بقية الجبهات العسكرية التي تقع تحت سيطرة الفيلق وجبهة فتح الشام"، وفق الناشط توفيق إسماعيل.
من جهته أشار الصحفي السوري علاء الأحمد إلى أن الغوطة الشرقية تنقسم إلى جبهتين، جبهة تقع تحت سيطرة جيش الإسلام وأخرى تحت سيطرة فيلق الرحمن وجبهة فتح الشام وحركة أحرار الشام الإسلامية وفجر الأمة.
وأوضح أن جبهات جيش الإسلام هي الوحيدة المشتعلة بسبب الهجوم الذي يقوم به النظام السوري على تلك المناطق، وسيطرته على أكثر من بلدة منها حوش نصري وحوش الفارة وكتيبة الريحان، والآن يحاول السيطرة على بلدة الريحان التي تبعد عن مدينة دوما مسافة لا تتجاوز 3 كيلومترات.
وحمّل الأحمد في حديث لـ"
عربي21"؛ جيش الإسلام مسؤولية سقوط تلك المناطق، معللاً ذلك بمنع الجيش بقية الفصائل من استقبال المؤازرات العسكرية، ومؤخرا سمح لعناصر فيلق الرحمن بالدخول واستلام نقاط، ولكن جيش الإسلام قام بطردهم فيما بعد دون معرفة الأسباب، وفق قوله.
واعتبر الأحمد أن بقية الجبهات "ليست بجبهات نائمة كما يصفها البعض، بل هي جبهات تشهد اشتباكات ومحاولات متكررة لقوات النظام"، وطالب كافة الفصائل بضرورة فتح طرق المؤازرات أمام الفصائل الأخرى، مشددا على أن الغوطة ليست حكرا على فصيل واحد بعينه بل هي للجميع، على حد وصفه.
أما الناشط خالد عزيز، فقد أشار إلى أن معارك النظام السوري منذ خمسة أشهر هي ضمن مناطق جيش الإسلام فقط، وأن قوات الأسد خلال هذه الأشهر الخمسة سيطرت على مناطق عديدة كانت تحت سيطرة جيش الإسلام، كحوش نصري، وحوش الفارة، وأجزاء من الريحان، "ونتيجة لذلك باتت مدينة دوما كبرى مدن الغوطة على مرمى حجر من مواجهة مباشرة مع النظام".
وأوضح عزيز لـ"
عربي21"؛ أن التوتر بين الفصائل ما زال قائما، حيث "ما زالت الحواجز العسكرية لكل فصيل تتمركز على مداخل المدن والبلدات التي يسيطر عليها، أما ملف الاعتقالات المتبادلة، رغم انخفاضه إلى أدنى المستويات، إلا إنه ما زال قائماً"، وفق تأكيده.
وفي هذا السياق، أشار عزيز إلى اختطاف القيادي في جيش الإسلام، أبو علي الصياد، قبل فترة قصيرة أثناء استراحته في منزله الكائن في منطقة "بيت سوى" الواقعة تحت سيطرة فيلق الرحمن، حيث تم اقتياده إلى جهة مجهولة.
والصياد هو قائد كتيبة أنس بن مالك في اللواء الثالث المرابط في جوبر سابقاً، وحاليا في المنطقة الشرقية من الغوطة.
وقبل ذلك بيومين تم اختطاف المسؤول في جيش الإسلام أبو علاء كشكة، في منتصف الليل، من منزله في منطقة عربين، وقد تعرض للضرب قبل اقتياده إلى جهة مجهولة. وهو في الأربعينات من العمر، وكان من أوائل من خرج في الثورة وأصيب قبل أشهر في إحدى جبهات الغوطة الشرقية.
كما تم اعتقال المقاتل في جيش الإسلام، أحمد الحسن، وهو من منطقة عربين، على أحد حواجز فيلق الرحمن، أثناء توجهه إلى نقطة رباطه في المنطقة الشرقية، وفق تأكيد عزيز.