ارتكب كل من النظام السوري والمعارضة السورية جرائم بحق الوطن والشعب السوريين عندما استعانا بالخارج كل منهما ضد الآخر. استقوى السوريون بالخارج، بعضهم ضد بعض، إلى أن وصلنا إلى مرحلة التفاعل بين القوى الخارجية، بينما يقف السوريون يتفرجون على ما يمكن أن يصنع الخارج بهم. القوى الخارجية هي التي تتفاوض فيما بينها حول مستقبل الوطن والشعب السوريين، والطرفان المتنازعان في سوريا يدّعيان الحرص على الاستقلال والسيادة والحرية. قمة البله والغباء.
واضح أن السوريين منذ البداية لم يكونوا يبحثون عن حل للأزمة الداخلية، وإنما كان يبحث كل طرف عن نصر سريع على خصمه الداخلي وإخراجه تماما من المعادلة، ووجد كل طرف أن مثل هذا الحلم قد يتحقق بالاستعانة بالقوى الخارجية. طفق الطرفان يبحثان عن مناصرين وداعمين وممولين ومسلحين، وما أكثرهم؛ لأن الفتنة لها العديد من الأنصار، والدم السائل ليس دماء أبناء القوى الخارجية وإنما دم أبناء سوريا. تكالبت قوى كثيرة -منها العربية وغير العربية- على سوريا، ولم يكن الهدف أبدا حرية الشعب السوري وصون المستقبل السوري، وإنما حكمت القوى الخارجية مصالح واهتمامات خاصة يكون الشعب السوري أداة تحقيقها. من هذه القوى من لها تصفية حسابات مع النظام السوري، ومنها من رأى في النظام السوري قاعدة لنشاطاته في المنطقة، ومنها من بحث عن راحة الصهاينة وإرضاء الولايات المتحدة الأمريكية. أما الدول الغربية فكانت معنية بإغراق الوطن العربي بالصراعات الداخلية؛ لكي تستمر هيمنتها على هذا الوطن، ويستمر استنزافها للطاقات العربية، وتطمئن لأمن دولة الصهاينة.
أما الدول العربية، فلا يسوقها سوى المنطق الجاهلي الذي يرى في المنافس الداخلي أكبر شر يواجهه، ولا يتردد في توجيه سهامه نحو أعدائه الداخليين حتى لو كان ذلك في مصلحة عدو يعمل على قهر الجميع. استنجد النظام بالخارج، وكذلك فعلت المعارضة. ربما لو واجهنا الطرفين الآن بهذا الأمر لقال كل طرف إنه لم يكن البادئ بالاستنجاد بالخارج، وكأن الدم السوري سيعود إلى شرايين الناس عندما نحسم قضية السباق إلى الجحيم. لقد تصرف النظام والمعارضة بطريقة هوجائية غير مسؤولة، ولم يقيّما المردود الخطير لاستدعاء قوى الخارج إلى البلاد.
انهمكت الدول الغربية بالاستقطاب، وأخذت تمني المعارضة بأن النظام سينهار خلال شهر أو أسبوع أو نصف سنة على الأكثر، ولم تحسب المعارضة أن للنظام بكايات كما لها بكايات أيضا. وأسوأ ما قامت به المعارضة هو استنجاد بعض رموزها بدولة الصهاينة وبدول عربية ظلامية لا تعرف قيمة الإنسان، الأمر الذي يؤكد كلامي بأن العرب أشد عداوة بعضهم لبعض من عداوتهم للقوى الخارجية التي تريد أن تنقض عليهم.
أمريكا كانت معنية بدمار سوريا، ولهذا بقي موقفها غامضا ومتأرجحا وتعوزه الرؤية. بقيت هي منحازة إلى حد كبير للمعارضة، لكنها لم تشأ أن ترى طرفا ضعيفا في الحرب يمكن أن يخسر الحرب قبل دمار البلاد. ولهذا بقيت أمريكا تلعب على الحبال من أجل أن تستمر الحرب ويستمر الدمار والخراب. نحن نتحدث دائما عما لحق بالفلسطينيين من آلام وأحزان، لكن ما لحق بالسوريين من آلام وأحزان بأيد سورية أشد وأقسى مما لحق بالفلسطينيين. الصهاينة مجرمون وهمجيون ومتوحشون، لكن العرب أكثر توحشا وهمجية وإجراما، وهم لا يلقون أذنا لحقوق إنسان أو احترامه والحفاظ على حقوقه الطبيعية. لو آمن العرب بحقوق إنسان، لما مارست الأنظمة العربية كل هذا الظلم والاستعباد ضد المواطن العربي.
الآن، وصلنا إلى النتائج، وهي أن الشعب السوري مهجر ويعاني الفاقة والقهر وعدم الأمن، ومئات الآلاف منهم تحت التراب، هذا إن وجدوا من يدفنهم. المنشآت السورية مدمرة والمزارع والورش والحوانيت، والبنية التحتية مستهلكة، وجيش سوريا منهك، والدمار لن يعمر بأقل من خمسين عاما. كما أن المعارضة والنظام مثل الأطرش بالزفة، روسيا وأمريكا تتفاوضان حول مواضيع تخص سوريا، والسوريون يسمعون عما سيفعل الآخرون بهم عبر نشرات الأخبار. لقد دمروا سوريا بلد الشجعان والحب والجمال، واسترخوا على أسرتهم يتسلون أمام الشاشات.
القوى الخارجية لها مصالح، وكل قوة فاعلة في الحرب السورية تبحث عن حل يتوافق مع مصالحها، وبما أن المصالح متعارضة فإنه لن يكون من السهل التوصل إلى حل بين القوى الخارجية. الحل الآن ليس بين السوريين، وإنما بين القوى التي تقدم الجنود والسلاح والمال، وهي التي تنشط في الأحاديث الخاصة بالحلول.
لقد أخرجت المعارضة وكذلك النظام سوريا وشعبها من المعادلة وحولوا الجميع إلى موضوع نقاش بدل أن يكونوا الفاعلين في صناعة مستقبلهم. ومهما تكن الأوضاع التي ترتبها القوى الخارجية، لا بد من التفكير من الآن في محاسبة كل الذين أساؤوا لسوريا واستدعوا القوى الخارجية لتعيث في الأرض الفساد.