لم يخطر ببالي أن أثير مثل هذا التساؤل، مدركا أن إدارة الرئيس باراك أوباما لم ترغب أبدا في فعل شيء، هذه سياستها التي هي في نظرها أقل ضررا وأرخص ثمنا، وإن أثبتت أحداث السنوات الثماني الماضية أنها كانت أعظم أذى وأغلى كلفة. الذي دفعني للتفكير حيال التعامل مع الأزمة السورية خارج الصندوق هو التصريحات المتعددة الصادرة عن موسكو، تحذر واشنطن بألا تتحداها في سوريا، حذارِ يا إدارة أوباما من استهداف نظام الأسد في دمشق، وإلا فإنها ستزلزل المنطقة!
إذن، هناك احتمال، ولو ضئيل جدا، أن تتحدى الولايات المتحدة تحالف دمشق في الفترة الزمنية القصيرة المتبقية من عهد الرئيس أوباما. الدوافع كثيرة، منها وقف الزحف الإيراني الروسي جوا وبرا في مناطق المعارضة، ووقف المجازر والتدمير الرهيب الذي تقوم به هذه الجيوش، التي ستهدد أمن المنطقة وأوروبا وربما العالم.
ولا بد أن في داخل البيت الأبيض من سيحذر الرئيس بشدة من عدم التعرض لنظام الأسد وعاصمته، منبها إلى خطورة تفكيك النظام وأنه سيعني انهيار الدولة، وسيتسبب في أن تعم الفوضى أنحاء البلاد. الحقيقة لم تعد هاتان حجتين مقنعتين، فالنظام مفكك ومنهار ويعيش إكلينيكيا على قوات إيرانية وميليشيات شيعية متطرفة مجلوبة من لبنان والعراق وأفغانستان، والغالبية من أفرادها لا تتكلم اللغة العربية، لغة سوريا. كما أن الخوف من انتشار الفوضى حجة تصلح للتبرير منذ عامين، أما اليوم فإنه لا توجد زاوية في سوريا آمنة، فهي إما تعيش في حالة فلتان أمني، أو أنها تحت حماية وإدارة عصابات محلية وأجنبية تقوم بجباية أموالها من الأهالي بالقوة. وبالتالي فاستهداف مقر النظام في دمشق سيرسل رسائل متعددة؛ الأولى التأكيد على ضرورة احترام الخريطة التي قسمت الدولة بين «معارضتنا» و«قواتكم»، والتي تجاوزها الإيرانيون والروس بالهجوم على حلب وغيرها من مناطق المعارضة المعتدلة.
من المؤكد أن الوضع القائم قبل القصف الأخير سيحترمه حلفاء دمشق. والثانية، ستكون رسالة مهمة للنظام بأنه إن رفض التفاوض بجدية مع المعارضة، ورفض مفهوم الحل السياسي المبني على الشراكة، فإنه هو أيضا معرض لأن يفقد وجوده. حاليا، يرفض كل الحلول مماطلا لأنه يعتقد أن الروس والإيرانيين سيقضون على المعارضة بتدمير مناطقها، وبالتالي ليس مضطرا للقبول بأي حل سياسي فيه تنازلات من جانبه.
ما هي ردود فعل حلفاء دمشق، في حال استهداف مراكز النظام؟ الحقيقة، إنهم ارتكبوا كل ممنوع قبل ذلك، لم يحترموا أي اتفاقيات دولية، أو تفاهمات ثنائية، أو مصالح إقليمية، أو اعتبارات أمنية، وقد أخضعوا الأتراك والأردنيين والخليجيين، وأذلوا الأمريكيين.
كل هذا حدث تحت سمع وبصر إدارة أوباما. ولو أنها تقوم بعملية واحدة كبيرة لربما رممت سمعتها وتاريخها وسهلت على الإدارة الجديدة أن تدخل البيت الأبيض في وضع تفاوضي أفضل مع نظام الأسد وحلفائه. وقد عرف عن النظام السوري تاريخيا أنه يستجيب للضغوط الجادة وليس للتهديدات الكلامية التي اعتدنا من وزير الخارجية الأمريكي ترديدها. فالأتراك عندما تمادى نظام الرئيس الراحل حافظ الأسد بدعمه المعارضة الكردية التركية الانفصالية (PKK) بقيادة عبد الله أوجلان، حركوا دباباتهم باتجاه منفذ باب الهوى الحدودي مهددين بغزو سوريا.
وخلال يومين سارع الأسد إلى تسليم أوجلان للأتراك عبر دولة أفريقية، وأغلق معسكرات التنظيم الكردي. أيضا، عندما تجاهل الرئيس الحالي، بشار الأسد، التحذيرات الإسرائيلية حول تسليح حزب الله في جنوب لبنان، قاموا بخرق جدار الصوت فوق سكنه مباشرة، في مقر إجازته السري، وبعدها صلحت العلاقة بين الجانبين.
لو أن النظام في دمشق يظن، ولو لحظة، أنه مهدد بهجوم أمريكي عليه فإنه سيبدل سلوكه، وكذلك سلوك حليفه الإيراني. والروس لا يريدون مواجهة مع الأمريكيين من أجل حماية نظام مهترئ، في وقت يتعاملون فيه بحذر مع أزمة أوكرانيا، القضية الأكثر أهمية لهم.
الشرق الأوسط اللندنية