نادرة هي الإشارات التي توحي بخوف عربيّ من انتخاب دونالد ترامب رئيسا للولايات المتحدة، أو بأيّ اكتراث جدّيّ من أصله.
بيننا من يقول إنّ أوضاعنا الراهنة لا يمكن أن تزداد سوءا، وهو، من ثمّ، لا يجد مبرّرا للاهتمام، ناهيك عن الخوف. وبيننا من يرى أنّ أميركا لا يمكن أن تغدو أسوأ ممّا هي عليه الآن ودوما، ليصل إلى النتيجة نفسها. وهناك، طبعا، الحجج التي تذهب إلى أنّ شعوبنا تكفيها مآسينا، وآخرها حتّى الآن وأعظمها ما يحدث في حلب، ما يستغرق كلّ قدرة لدينا على الانشغال بأمور أخرى بعيدة.
مع ذلك، فوصول دونالد ترامب إلى الرئاسة كارثة تحصل، إن حصلت، في مكان قريب جدّا، بل هي ربّما الكارثة الوحيدة التي، إن حصلت، ستكون قريبة جدّا من كلّ مكان آخر في العالم. ذاك أنّ الولايات المتّحدة الأميركيّة، أحببناها أم كرهناها، هي المكان الوحيد الحاضر بقوّة في كلّ مكان آخر. أمّا ترامب نفسه فسيكون بالغ الحضور في كلّ مكان من العالم، لا بسبب تدخّليّته، وهو انكفائيّ، بل بسبب انكفائيّته السياسيّة المصحوبة بتعبيره عن نظام من المثالات والقيم يعكس أسوأ ما في العالم وفي أميركا.
فليس خبرا مفيدا لأحد، عربيّا كان أم غير عربيّ، أن يقيم في البيت الأبيض، وأن يكون بالتالي رجل العالم الأوّل، عنصريّ، كاره للنساء، كذّاب ونصّاب وبذيء ومهرّج وأمّيّ متباه ومتحذلق.
وهذا إذا كان بذاته عادما لكلّ مثال كونيّ يمكن الحضّ على اقتدائه، كما يمكن أن يُحاسَب أصحابه عن إخلالهم به، أو تقصيرهم فيه، فهو انتصار لمثال سلبيّ هو الحدّ الأدنى المشترك للثقافات السياسيّة المنحطّة، أي ما تخفق له قلوب الطغاة والشعبويّين والقوميّين والدينيّين والذكوريّين والعنصريّين في سائر بقاع المعمورة. وغنيّ عن القول إنّ هؤلاء جميعا في صعود، هنا وهناك.
أمّا في السياسات المباشرة، فقد رأينا دونالد ترامب، بعد استقباله بنيامين نتانياهو، يعده بالقدس الموحّدة عاصمة أبديّة لإسرائيل، كما رأيناه، بعد استقباله عبدالفتّاح السيسي، يطوي كلّ إشارة إلى مسائل حقوق الإنسان التي أطنبت هيلاري كلينتون في الحديث عنها بعد لقائها الرئيس المصريّ.
وأهمّ من ذلك، وأبعد، أنّ انكفاء ترامب، مقرونا بإعجابه الكبير بفلاديمير بوتين، وتوكيده الرغبة في التعاون الوثيق معه، سيجعل من مقتلة حلب حدثا يوميّا معمّما في سوريّة، بل في المنطقة، حيث لا يتعدّى الأمر صورة «مسلمين يقتلون مسلمين». وإذا شكّل انتخابه ضوءا أخضر آخر، وأقوى من كلّ ضوء، للمضيّ في المذبحة الأسديّة، فإنّه سيكون سدّا لباب آخر من الأبواب التي لا تزال مفتوحة أمام الضحايا الهاربين من نار الموت والفقر والحروب. وفي وجه هؤلاء سوف تتعاظم المصاعب التي تتفرّع عن انتعاش القوميّات والعنصريّات ورُهاب الإسلام على أنواعها.
وهذا، في آخر المطاف، عالم تصير الرغبة بالعيش فيه جديرة بالمساءلة؛ إذ لا يتبقّى فيه إلاّ كلّ ما هو كالح ومعتم رافعا أعلام الظفر. وهل ثمّة حاجة لأن نضيف أنّ ذلك تحدّ لنا ولإنسانيّتنا أيضا، بوصفنا مشاركين في هذه الكونيّة، مشاركين ينبغي ألاّ يواجهوا مشكلاتها بالانعزاليّة وقلّة الفضول القاتلين.
الحياة اللندنية