حقوق وحريات

حقوقيون: قتلة الصحفيين بـ"رابعة" مازالوا بمنأى عن العدالة

مرصد "صحفيون ضد التعذيب": حقوق الصحفيين لاتزال مُهدرة وفي مهب الريح- أرشيفية
بعد مرور ثلاثة أعوام كاملة منذ فض اعتصام رابعة فجر يوم 14 آب/ أغسطس 2013، أكد مرصد "صحفيون ضد التعذيب" أن حقوق الصحفيين الذين قاموا بتغطية أحداث ذلك اليوم لاتزال مُهدرة وفي مهب الريح، دون أية تحقيقات جدية من الجهات المعنية أو ظهور أية نتائج أو إجراءات جنائية لاحقة يُحاسب بها الجاني ويُلام فيها المخطئ.

وأشار المرصد في بيان له، الأحد، إلى أن يوم فض "رابعة" يعد هو اليوم الذي حدثت فيه الانتهاكات الأضخم من حيث الخسارة البشرية تجاه الصحفيين في مصر خلال العقود الأخيرة، بسقوط ثلاث شهداء للصحافة في قلب ميدان رابعة العدوية، وغيرهم الكثير من المصابين.

وقال: "رغم انطلاق المرصد في تشرين الأول/ أكتوبر 2013 - أي بعد الواقعة بشهرين - إلا أن مؤسسي وفريق عمل المرصد المتلاحقين على مدار ثلاث سنوات كجزء لا يتجزأ من نسيج العمل الصحفي عانوا الأمرَّين - ضمن مَن عانوا - خلال ذلك اليوم الرهيب والمُفجع في تاريخ الصحافة المصرية".

واستطرد قائلا: "كانت المعاناة آنذاك في سياق عمل وأجواء صحفية بحتة قبل تأسيس المرصد، وما تزال آثار ذلك اليوم موجودة في وجدان الجماعة الصحفية المصرية حتى يومنا هذا".

وتابع: "منذ تأسيسه، حرص المرصد أشد الحرص على تجميع كافة المعلومات والشهادات المرتبطة بذلك اليوم وتسليط الضوء عليها من جديد في الذكرى الثالثة، تخليدا للضحايا ومن بذلوا بأرواحهم ودمائهم في خدمة الصحافة والحق في المعلومات وإحياء لذكرى تلك الأحداث المؤسفة في ضمير ووعي كل مصري، ومن ناحية أخرى كشفا للحقائق المجردة أمام العامة والجهات المعنية ومراكز اتخاذ القرارات في البلاد من أجل فتح تلك الملفات مرة أخرى، واسترداد الحقوق الجنائية والمدنية والمعنوية تضميدا للجراح المفتوحة".

وسجلت وحدة الرصد والتوثيق بالمرصد كافة الانتهاكات خلال تلك الواقعة بالرجوع إلى الجهات الصحفية والحقوقية والمجموعات النشطة آنذاك، بالإضافة إلى التواصل مع بعض الحالات والتحقق من تأدية العمل الصحفي البحت بالتواجد في مسرح الأحداث وليس المشاركة فيها، مع مراعاة أن ذلك لا يُعد حصرا شاملا عن جميع الانتهاكات خلال تلك الواقعة، ولكنه فقط ما تمكنت الوحدة من رصده وتسجيله.

وأكد أنه قام بتسجيل 43 انتهاكا مختلفا ضد الصحفيين خلال واقعة فض اعتصام رابعة وحدها، دون ميدان النهضة أو أية أحداث أخرى في ذات اليوم، والتي امتدت عبر مساحات شاسعة من منطقة مدينة نصر، بدايةً من شارع عباس العقاد حتى كوبري أكتوبر ونادي السكة مرورا بشارع يوسف عباس والنصب التذكاري وجامعة الأزهر.

وأضاف: "من بين إجمالي الانتهاكات في ذلك اليوم، كان هناك 33 انتهاكا ضد صحفيين مصريين، فيما تم تسجيل 10 آخرين ضد أجانب، وقد تعددت أشكال الانتهاكات؛ حيث تراوحت من قتل مباشر وإصابات بالرصاص الحي والخرطوش واعتداءات جسدية مباشرة، إلى مصادرة المعدات الصحفية ومسح المحتوى الصحفي، بينما امتدت آثارها إلى حبس صحفيين منذ ذلك اليوم وحتى يومنا هذا بعد مرور ثلاث سنوات كاملة".

ومن حيث نوع الانتهاك، أوضح المرصد أنه كانت هناك 3 حالات قتل لصحفيين أثناء تأدية عملهم وهم "مايك دين" Mick Deane المصور بقناة سكاي نيوز، و"أحمد عبد الجواد" الصحفي بجريدة الأخبار، و"مُصعب الشامي" الصحفي بشبكة رصد الإخبارية، فيما كان هناك صحفيان آخران تعرضا للحبس والاتهام في قضية فض اعتصام رابعة وهما "محمود أبو زيد" و"عبد الله الشامي" الذي استمر حبسه لمدة تقترب من عام، وتم إخلاء سبيله يوم 17 حزيران/ يونيو 2014 بعد إضرابه عن الطعام لمدة 130 يوما متتالية داخل محبسه بطرة".

وأردف البيان: "بينما كان هناك 6 صحفيين آخرين – بحسب قرار الإحالة - يستمر حبسهم حتى اليوم على خلفية قضية غرفة عمليات رابعة، وهي رواية رسمية من جهات التحقيق مُرتبطة بسياق الاعتصام نفسه، ولكن المتهمون فيها ألقي القبض عليهم بعدها بأيام من منازلهم وأماكن متفرقة، فيما كان هناك 4 آخرين بذات القضية هاربين ومحكوم عليهم بأحكام غيابية".

وأكمل: "إضافة إلى ذلك، هناك 13 صحفيا تعرضوا للاحتجاز - نُقل عديد منهم إلى ستاد القاهرة الدولي للفحص والاستجواب بواسطة جهات أمنية - ومسح محتوى معدات التصوير ثم إطلاق سراح في نفس اليوم أو اليوم التالي، بينما تعرض 5 صحفيين للإصابة بطلقات نارية، وصحفيان آخران للتعدي بالضرب، فيما تم تسجيل 3 حالات تعد بالقول مع التهديد، وأخيرا كانت هناك 5 حالات لمصادرة معدات صحفية".

وقال: "باستعراض الانتهاكات المُستهدِفة للصحفيين في ذلك اليوم ومتابعة كافة الإجراءات الجنائية اللاحقة، لا نجد هناك تحريكا لأية دعوى جنائية من قِبَل النيابة العامة سلطة التحقيق، ولم يتم تحديد هوية المتهمين فيها بواسطة الجهات الرسمية المُختصة، حيث كانت هناك حالات لاعتداءات جسدية جسيمة وصلت إلى 3 قتلى بين صفوف الصحفيين الميدانيين".

وتابع: "كانت هناك إصابات للصحفيين بطلقات نارية أثناء تأدية واجباتهم؛ حيث تعرضت أسماء وجيه المصورة بوكالة أنباء رويترز لطلق ناري بالقدم، وعلاء القمحاوي الذي أُصيب برصاصة بالقدم، ومحمد الزكي مصور بقناة الجزيرة الذي أصيب برصاصه في ذراعه، بينما أُصيب طارق عباس صحفي جريدة الوطن بطلق خرطوش أسفل العين ومحمد كمال بطلق ناري، وكلها حالات لم يتم التوصل فيها إلى أية حقيقة أو إدانة لأي طرف من قبل جهات التحقيق الرسمية".

وأكمل: "باستعراض الأوراق الرسمية لقضية فض اعتصام رابعة، والتي يُحاكم فيها 739 متهما بتهم عديدة منها القتل العمد والشروع فيه والتعدي بالضرب، وبعد مراجعة قوائم المجني عليهم من القتلى والمصابين في أمر الإحالة تحديدا - الذي يتجاوز 149 صفحة - نجد أن القوائم اقتصرت فقط على ضباط وأفراد الشرطة وبعض المدنيين، ليس من بينهم أي من المجني عليهم من الصحفيين، رغم وجود مستندات وأوراق رسمية بما تعرضوا إليه مُسجلةً داخل مؤسسات الدولة الأمنية والقضائية والطبية".

من جانبه، أكد المرصد العربي لحرية الإعلام أن اعتصام "رابعة" كان من بين ضحاياه 4 من الصحفيين هم أحمد عبد الجواد (جريدة الأخبار)، ومصعب الشامي (شبكة رصد)، وحبيبة عبد العزيز (جلف نيوز الإماراتية)، ومايك دين (سكاي نيوز).

وقال المرصد في بيان له الأحد: "رغم مرور 3 أعوام على مقتل هؤلاء الصحفيين أثناء ممارستهم لعملهم في تغطية أحداث الفض الدموي إلا أن أيا من قتلتهم لم يقدم للمحكمة حتى الآن، وهو ما شجع على قتل المزيد من الصحفيين المصريين لاحقا أثناء تغطياتهم الميدانية حتى تجاوز العدد حاجز العشرة".

وتابع: "لقد حدد تقرير سابق لمنظمة هيومان رايتس ووتش أسماء عشرة من كبار المسؤولين المصريين كمتهمين رئيسيين عن تلك المجزرة التي سقط فيها الصحفيون الأربعة مع غيرهم، لكن هؤلاء المسؤولين لايزالون طلقاء حتى الآن، ولم يتحرك القضاء المصري لاستدعائهم ومحاكمتهم وهو ما يدفعنا لتجديد مطالبنا السابقة بمحاكمات جنائية دولية لهؤلاء القتلة حتى لا يفلت مجرم من العقاب".

وأضاف المرصد العربي: "كما نعلن انضمامنا لكل الهيئات الدولية المطالبة بتشكيل لجنة تحقيق دولية في أحداث مذبحة رابعة، وإذا كنا ندافع عن الصحفيين وحرياتهم بشكل عام، إلا أننا في الوقت نفسه نطالب بمحاكمة جنائية للصحفيين الذين حرضوا على قتل المعتصمين، وهو التحريض الذي تسبب أيضا في مقتل زملائهم الأربعة إلى جوار الآلاف من عموم المواطنين".