كتاب عربي 21

أزمة بين أردوغان وهيئة الإغاثة

1300x600
أثارت الاتفاقية التي أعادت العلاقات الدبلوماسية بين تركيا وإسرائيل بعد قطيعة استمرت ست سنوات، أزمة بين رئيس الجمهورية التركي رجب طيب أردوغان والإسلاميين في تركيا، لم تشهد علاقات الطرفين مثلها منذ دخول الأول المعترك السياسي وتأسيس حزب العدالة والتنمية وتوليه الحكم في البلاد عقب الانتخابات البرلمانية التي أجريت في 3 تشرين الثاني/ نوفمبر / 2002.

الإسلاميون عموما لم يرحبوا بالاتفاقية التي لم ترفع الحصار المفروض على قطاع غزة. وأعلنت هيئة الإغاثة والمساعدات الإنسانية التركية (?HH)، إحدى أبرز المنظمات الأهلية التي تمثل التيار الإسلامي في تركيا، رفضها الشديد للاتفاقية، وذكرت في بيان نشرته أسباب هذا الرفض وتفاصيل تحفظاتها، وقالت في تعليقها على الاتفاقية إن "من يتستر بثوب إسرائيل يظل عاريا".

هيئة الإغاثة والمساعدات الإنسانية من أهم المنظمات الأهلية التي قامت بتنظيم أسطول الحرية الذي انطلق في مايو / أيار 2010 نحو قطاع غزة لكسر الحصار، وبالتالي تعتبر نفسها طرفا في قضية اعتداء الجيش الإسرائيلي على سفينة مرمرة في المياه الدولية. ومن هذا المنطلق، تبدي اهتماما خاصا بالجهود التي تهدف إلى رفع الحصار عن سكان القطاع، وما يتعلق بالتعويضات التي ستدفعها إسرائيل إلى أسر ضحايا سفينة مرمرة، والقضايا المرفوعة ضد مسؤولين إسرائيليين سياسيين وعسكريين في المحاكم بتهمة التورط في مقتل 9 مواطنين أتراك بالإضافة إلى إصابة العشرات من الناشطين.

وفي المقابل، تدافع الحكومة التركية عن الاتفاقية، وترفض الانتقادات الموجهة إليها بشأن التخلي عن الشرط الثالث المتعلق برفع الحصار، مشددة على أن الاتفاقية ستسهم في تحسين مستوى المعيشة في قطاع غزة وستؤدي إلى حل كثير من المشاكل فيه من خلال المساعدات الإنسانية التي ستتدفق إليه عبر ميناء أشدود، بالإضافة إلى مشاريع أخرى تهدف إلى إنهاء أزمتي الكهرباء والمياه.

وأما رد أردوغان على الانتقادات فجاءت بلهجة أشد، وقال مساء الأحد في كلمته بمأدبة الإفطار في مركز الخليج للمؤتمرات بإسطنبول إنهم كانوا يجرون محادثات مع رئيس المكتب السياسي لحركة حماس خالد مشعل ورئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس قبل الإقدام على تقديم أي خطوة نحو عودة العلاقات الدبلوماسية مع إسرائيل، مؤكدا أن ما يعنيهم هو ما يقوله إخوانهم الفلسطينيون وسكان غزة، ودعا الجميعَ إلى الالتزام بحدودهم. 

هذه الأزمة الأخيرة فتحت مرة أخرى ملف العلاقات بين الحكومة ومنظمات المجتمع المدني وأثارت النقاش حول طبيعة هذه العلاقات. واتهمت أوساط مقربة من الحكومة هيئة الإغاثة والمساعدات الإنسانية بالتدخل في شؤون الحكومة ومحاولة فرض الوصاية عليها لرسم سياستها الخارجية، مشيرة إلى رسم السياسة الخارجية وتحديد أولوياتها من صلاحيات الحكومة وليست من صلاحيات منظمات المجتمع المدني التي تنشط في مجال الإغاثة.

ومن الطبيعي أن تكون لمسؤولي منظمات المجتمع المدني آراء ومواقف لا تتفق مع سياسات الحكومة وقراراتها، غير أن الاسترسال في الانتقاد والتوغل في متاهات السياسة وقيام المنظمات بدور الأحزاب السياسية المعارضة يؤدي في نهاية المطاف إلى تسييس العمل الإغاثي، ولا يعود له بأي نفع في ظل حاجة تلك المنظمات إلى دعم الحكومة لأنشطتها العابرة للحدود.

وفي محاولة لاحتواء الأزمة قبل أن تتفاقم، قامت هيئة الإغاثة والمساعدات الإنسانية بإصدار بيان اعتذرت فيه عن استغلال تعليقها على الاتفاقية في الإساءة إلى رئيس الجمهورية، بعد أن دخلت على الخط قوى معارضة، مثل جماعة كولن، في محاولة لتأجيج الأزمة وتوسيع الشرخ بين الإسلاميين وأردوغان. وهذه الخطوة الحكيمة التي تقدمت بها هيئة الإغاثة لقطع دابر الفتنة كفيلة لإنهاء الأزمة في الوقت الراهن، لينتظر الجميع انعكاسات الاتفاقية على أرض الواقع.

* كاتب تركي