رغم دعاوى رعاية الفقراء من قبل السلطات المصرية الحالية، فقد شهدت مخصصات الدعم بموازنة العام المالي الجديد الذي يبدأ الشهر القادم، تراجعا بمخصصات الدعم السلعي بنحو 21 مليار جنيه، عن موازنة العام المالي الحالي، في الوقت الذي زادت فيه مخصصات وزارات الدفاع والداخلية والعدل والمحاكم وغيرها.
وتبالغ السلطات عندما تتحدث عن بلوغ مخصصات الدعم بالعام المالي الجديد 210 مليار جنيه، حيث تضم إليه بعض المكونات لرفع القيمة، مثل الدعم الذي توجهه لشركات انتاج الكهرباء الحكومية والبالغ 29 مليار جنيه، وكذلك 77 مليار جنيه لصناديق المعاشات، منها 52 مليار جنيه تمثل مساهمة الحكومة كصاحب عمل في صندوق التأمين على العاملين بالحكومة.
وهي حصة يدفعها كل صاحب عمل، ضمن قيمة التأمين الإجتماعي المقرر على العاملين لديه، ولو كان صاحب ورشة حرفية صغيرة، وبالتالي فما تفعله الحكومة هو أمر محتم عليها قانونا، والمكون الثاني لما تدفعه الحكومة للمعاشات، يبلغ 25 مليار جنيه تمثل فوائد على أموال المعاشات التي تقترضها الحكومة من بنك الإستثمار القومي.
وهو بنك حكومي تجبر الحكومة صناديق المعاشات علي إيداع أموالها به بفائدة تقل عن سعر الفائدة بالسوق، وهو أمر طبيعي أن يدفع أي مقترض من بنك فوائد على اقتراضه، في حين تعتبر الحكومة المصرية ذلك دعما لأصحاب المعاشات، رغم أنها لو تركت الحرية لصناديق المعاشات لحصلوا على قيمة فائدة أعلى على أموالهم.
أيضا يتضمن الدعم 6ر4 مليار جنيه دعما للتصدير، وهو بالطبع موجه لرجال الأعمال وكذلك 4ر1 مليار جنيه دعما للمناطق الصناعية وهو أيضا موجه لرجال الأعمال، من خلال إقامة المرافق التي تسهل عملهم، كما تقوم الحكومة بتقديم دعم لجهاز تنمية التجارة الداخلية وهو الجهاز المعني بتوفير الأراضي اللازمة لأصحاب المولات لإقامة متاجرهم الضخمة بالقاهرة والأقاليم.
ومن مكونات الدعم أيضا 44ر1 مليار لدعم الإنتاج الحربي، و622 مليون جنيه لصندوق دعم الطيران و320 مليون لدعم العاملين بالمؤسسات الصحفية القومية و291 مليون لرعاية ضباط الشرطة وأسرهم، بل هناك دعما لصندوق مباني وزارة الخارجية .
والغريب أن قيمة الدعم السلعي الغذائي بالموازنة الجديدة يبلغ 41 مليار جنيه فقط، وهو ما يمثل نسبة 5ر19% من إجمالي مخصصات الدعم البالغة 210 مليار جنيه، وهو يتجه لأمرين أولهما: لتقديم دعم نقدي بواقع 15 جنيها لكل فرد مقيد بالبطاقات التموينية، وتم رفعه من الشهر الحالي الي 18 جنيها للفرد لمواجهة الارتفاعات السعرية الحادة.
والمكون الثاني للدعم السلعي هو تمويل حصول الفرد علي خمسة أرغفة يوميا بسعر مدعم ، ويشير عدد الأفراد المقيدين بالبطاقات التموينية والبالغ 69 مليون شخص، الي وجود عدد من غير الفقراء بين المستفيدين من دعم البطاقات التموينية ويتضح ذلك أيضا مع بلوغ عدد الأفراد المستفدين من دعم الخبز 82 مليون شخصا، بما يؤكد استفادة غير الفقراء منه.
قطاع آخر من الدعم المصري يحصل الأغنياء علي معظمه، يتمثل في دعم المنتجات البترولية من بنزين وسولار ومازوت وبوتوجاز، والبالغ 35 مليار جنيه بالموازنة الجديدة، حيث يحصل عليه أصحاب السيارات والمنشآت التجارية، وتتحقق نفس المشاركة للأغنياء مع دعم شركات المياة، وتوصيل الغاز الطبيعي للمنازل حيث يستفيد منها الجميع.
وعندما يتعلق الأمر بالفقراء بشكل واضح نجد مخصصات زهيدة، فمخصصات الدعم للمجلس القومي لرعاية أسر الشهداء والمصابين تبلغ 3ر1 مليون جنيه فقط، ومخصصات معاش الطفل تبلغ 70 مليون جنيه موجهة إلى 55 ألف طفل فقط، في مجتمع به ملايين اليتامى المستحقين لذلك المعاش الضئيل القيمة.
كما بلغت مخصصات دعم المرأة المعيلة أي التي توفي زوجها أو ترعى أطفالها بعد طلاقها، 157 مليون جنيه رغم بلوغ عددهن ثلاثة ملايين سيدة حسب بيانات رسمية، ليصل نصيب السيدة 53 جنيها للعلاج خلال العام بمتوسط حوالي أربع جنيهات شهريا، أي حوالي نصف دولار بسعر الصرف الرسمي شهريا.
ومع وجود ملايين الفلاحين المصريين، فقد بلغت مخصصات الدعم للتأمين الصحي علي الفلاحين بأنحاء البلاد مائة مليون جنيه فقط، رغم انتشار الأمراض المتوطنة مثل البلهارسيا بينهم.
مع الأخذ في الحسبان تدخل مسؤلي المحليات بالقري والأحياء الشعبية، في تفضيل أقاربهم ومعارفهم للاستفادة من بعض نوعيات الدعم، مما أبقي شرائح كبيرة من الفقراء خارج نطاق الإستفادة من الدعم الحكومي حتي الآن.