محمد دياب مخرج مصري شاب ومتميز كتب وأخرج عددا من الأفلام السينمائية التي يذكرها الناس مثل فيلم الجزيرة وفيلم 678، وهو أشهر فيلم مصري ناقش قضية التحرش وعالجها بصراحة دون تجميل للذات وإنكار للواقع، في فيلمه الجديد (اشتباك) استطاع دياب الانتقال برسالته الفنية إلى آفاق أوسع بما حمله فيلمه من رمزية عن تدهور الأوضاع في مصر والشقاق المجتمعي الذي عصف بالمصريين خلال السنوات الأخيرة.
حظي فيلم اشتباك بقدر هائل من الترحيب والإشادة في مهرجان كان الشهير واختار نقاد هوليود ريبورتر اشتباك ضمن أفضل عشرة أفلام في مهرجان كان هذا العام ، وفي موقع "هافنغتون بوست" وصفت الناقدة الإيطالية إي نينا روث الفيلم بكونه رسالة عن الإنسانية، وأضافت: "أحيانا يصنع الفيلم التاريخ قبل عرضه"، وفي موقع First Showing ذكر الناقد أليكس بيلينغتون: "وسط كل الشغب الحاصل في الفيلم نجد لحظات حقيقية من الإنسانية، والتواصل البشري، وأنا أثق أن كل ما كان دياب يحاول الوصول إليه هو أنه على الرغم من الصدام المحتدم، فكلنا إنسان وكلنا نرغب في العيش، وقد أوصل دياب هذه الفكرة بشكل جميل".
ووصف تقرير موقع "هوليوود ريبورتر" فيلم "اشتباك" بأحد كنوز المهرجان الخفية، وفي مراجعة نقدية أخرى على الموقع نفسه وصفت الناقدة ديبوراه يانغ فيلم "اشتباك" بأنه سيكون فيما بعد أحد أهم المواد البصرية التي توثق الوضع في مصر الحديثة لأنه لا ينحاز لأي جانب، وهذا بحد ذاته يرفع الفيلم فوق النقاش السياسي لصالح نقد التمييز وانعدام الإنسانية، وأضافت قائلة: "يشعر الجمهور أنه مسجون أيضا مع أبطال الفيلم، حيث تم إلقاء القبض عليه دون أن يشعر، ويجد نفسه وسط صراعات محتدمة وحادة تعلو ذروتها مع استمرار أحداث الفيلم".
ورغم الزخم الهائل الذي أحاط بعرض الفيلم إلا أن التليفزيون الرسمي للدولة في مصر كان له رأي آخر حيث قام بعرض تقرير مشبوه عن المخرج محمد دياب
هاجم التقرير محمد دياب، واصفا إياه بأنه (مُروج لأفكار مضادة لمعظم مؤسسات الدولة، وادعى أن وزارة الداخلية كانت على رأس المؤسسات التي يسعى دياب لتشويهها، وظهر ذلك بوضوح في لقاء له مع باسم يوسف، وتابع: "كما أنه كُرم في مؤتمرٍ دولي لمشاركته في ثورة يناير.. وعبر حساباته على السوشيال ميديا، كان لدياب مواقف غريبة، حيث دعم الممثل أحمد مالك، بعد شطبه من نقابة المهن التمثيلية، على خلفية فيديو بالونات الواقي الذكري، كما أنه عادي مصر في واقعة مقتل الطالب الإيطالي جوليو ريجيني، واستكمل التقرير ضرباته تجاه الفنان المشارك بفيلمه الأخير في مهرجان كان السينمائي: «وأخيرًا.. يأتي فيلم (اشتباك)، الذي يُخرجه محمد دياب، وخلاله يصف مصر بأنها تمنع الحريات، وتشهد فوضي عارمة بعد الثورات، ويقدمها لنا علي أنها سجن متحرك، حيث تدور كل أحداث الفيلم داخل عربة ترحيلات، ويقول لنا في نهاية الفيلم أن الخروج من هذه الفوضى لن يتحقق إلا بالتصالح مع الإخوان) انتهى التقرير.
حاول البعض التنصل من مسؤولية ماسبيرو عن اذاعة هذا التقرير المسيء وقال إن منتج التقرير وكالة اعلانية هي التي تنتج البرنامج وهذا تبرير لا معنى له لأن لا توجد مادة اعلامية تُعرض على التلفاز الرسمي دون موافقة المسؤولين عليها وإقرارهم لها.
محمد دياب خط للسينما المصرية مسارا جديدا للعالمية والواجب تكريمه والاحتفاء به على إنجازه وليس تخوينه وتشويهه مثل تشويه كل الناجحين على أيدي الفاشلين من مروجي الخرافة والدجل، لكن المشهد البائس في مجمله يؤكد أن هناك من يكرهون النجاح ويحاربونه.
إذا استدعيت من الذاكرة الاحتفاء بالمخرج يوسف شاهين حين عرض فيلمه في مهرجان كان وقارنت ما حدث له بما حدث لمحمد دياب ستدرك على الفور أن هناك تربصا واضحا واستهدافا لدياب لكونه أحد وجوه ثورة يناير المشرقة، شارك دياب في الثورة من اللحظات الأولى وهناك فيديو شهير يظهر فيه وهو يهتف عيش حرية عدالة اجتماعية في شارع القصر العيني أمام دار الحكمة صبيحة 25 يناير 2011.
وانطلق عقب ذلك يدافع عن الثورة في الإعلام ويشرح أهدافها في أدب ورقيّ، لم يقدم نفسه يوما كسياسي ولم يشارك في أي عمل سياسي مباشر وإنما كشاب مصري يحلم لبلاده بالخير، وانحاز دوما للضمير في كل المساجلات السياسية التي نزفت منها الدماء، وظل في كل كتاباته يدعو للتعايش بين المصريين وباستعادة روح الثورة واعتصام ميدان التحرير.
هذا ما فعله محمد دياب وهو فعل يدعو للشرف والفخر، لذلك يحاربه هؤلاء الفاشلون المرضى النفوس، بينما كان العالم يصفق لهذا الشاب المصري المبدع كان تليفزيون بلاده الرسمي ينهش فيه ويقوم بتخوينه .. ما أصعب المفارقة !!
قصة محمد دياب هي قصة الثورة والإنسانية، وفي النهاية سينتصر الجمال على القبح والإبداع على الرداءة والوطنية الحقة على المدعين، سيبقي جيل يناير ينير الطريق لمصر ويلهمها الأمل، هذا جيل سيكتب التاريخ إنجازاته بحروف من نور، أما هؤلاء الفاشلون فهم إلى زوال!