كتاب عربي 21

الأولوية لتغيير الدستور

1300x600
عنوان المرحلة الجديدة التي بدأت بالفعل مع قرار التنحي المفاجئ الذي اتخذه رئيس الوزراء التركي أحمد داود أوغلو، هو تغيير الدستور للانتقال من النظام البرلماني إلى النظام الرئاسي أو شبه الرئاسي، كما أن هذا العنوان سيكون على رأس أولويات الحكومة الجديدة التي سيشكلها خلف داود أوغلو.

هناك أسماء مطروحة لخلافة داود أوغلو، وأبرز تلك الأسماء وزير المواصلات "بن علي يلدريم". وذكرت وسائل الإعلام التركية أن نتائج الاستطلاع الذي أجري داخل حزب العدالة والتنمية وشارك فيه رؤساء الفروع في المحافظات ورؤساء البلديات ومجالس المحافظات، وضعت يلدريم في المرتبة الأولى، ما يعني أن ترشيح غيره سيكون مفاجئا. ومن المتوقع أن يعلن اسم المرشح لرئاسة حزب العدالة والتنمية يوم الخميس كما أنه لا يتوقع أن يشهد المؤتمر العام الاستثنائي الذي سيعقد نهاية هذا الأسبوع لانتخاب رئيس جديد للحزب أي تنافس.

حزب العدالة والتنمية بعد هذا الأسبوع سيركز جهوده بقيادة رئيس جديد على تغيير الدستور، وسيطرق كل الأبواب الممكنة ويسلك جميع الطرق المشروعة للانتقال من النظام البرلماني إلى النظام الرئاسي، إما بوضع دستور جديد وإما بتعديل دستوري يحل المشكلة ولو جزئيا في هذه المرحلة.

نائب رئيس الكتلة البرلمانية لحزب العدالة والتنمية، نور الدين جانيكلي، صرح قبل أسبوع بأن الحزب سيقدم في منتصف الشهر القادم إلى البرلمان مشروع تعديل دستوري لتغيير أربع مواد أو خمس مواد لمنح رئيس الجمهورية صلاحية تولي رئاسة حزب سياسي، إلا أن رئيس لجنة الدستور في البرلمان التركي البروفيسور مصطفى شينتوب في حديثه لصحيفة ستار التركية جاء بفكرة جديدة، وهي أن يقوم كل حزب سياسي متمثل في البرلمان بصياغة دستور وفق معاييره ليتم عرض جميع تلك الدساتير الأربع على الشعب التركي ليقول فيها كلمته الفاصلة.

الدستور التركي الحالي وضعه العسكر بعد انقلاب 1980 الذي قام به الجيش التركي بقيادة الجنرال كنعان إيفرين، ومنذ ذلك اليوم تم تعديل كثير من مواده، إلا أنه لا يزال بحاجة إلى تعديلات جذرية لمواكبة مسيرة الإصلاح الديمقراطي ومتطلبات المرحلة. ومن الأفضل استبدال دستور جديد بهذا الدستور يكون أكثر ديمقراطية من خلال توافق الأحزاب المتمثلة في البرلمان، ولكن ذلك شبه مستحيل في ظل الوضع السياسي الراهن. وبالتالي، فإنه يجب على حزب العدالة والتنمية أن يسعى إلى تحقيق ما هو ممكن لتغيير الدستور، بناء على قاعدة "ما لا يدرك كله لا يترك جله".

رئيس حزب الشعب الجمهوري كمال كلتشدار أوغلو، بدأ في الأيام الأخيرة يتحدث عن أن النظام الرئاسي في تركيا لا يمكن الانتقال إليه من دون إراقة الدماء. وهذه التصريحات تؤكد أن رئيس أكبر حزب معارض لا يثق بإرادة الشعب التركي ولا يؤمن بالدستور، لأن الدستور الحالي الذي يدافع عنه كلتشدار أوغلو ويرفض تعديله، يمنح البرلمان صلاحية تعديل الدستور أو وضع دستور جديد. وإن اتفق - على سبيل المثال - حزب العدالة والتنمية وحزب الحركة القومية لتمرير أي تعديل دستوري من البرلمان لعرضه على الشعب، ثم وافق عليه أكثر من 50 بالمائة من الناخبين في الاستفتاء الشعبي، فهذا التعديل يصبح تلقائيا جزءا من الدستور الذي يجب على الجميع الالتزام به.

تصريحات كلتشدار أوغلو، تدل أيضا على أن الرجل يدرك جيدا أن الشعب التركي لن ينتخبه وأمثاله لرئاسة الجمهورية في أي انتخابات حرة ونزيهة، وإلا لما رفض الانتقال من النظام البرلماني إلى النظام الرئاسي بهذه الشراسة. ومع ذلك، فإنه لا يمكن أن توقف تصريحات كلتشدار أوغلو المستفزة وتهديداته الفارغة سير القافلة.

لا يبدو حاليا في الأفق أي مؤشر يشير إلى انتخابات مبكرة، إلا أن فشل جميع الجهود الرامية إلى تغيير الدستور من أجل الانتقال إلى النظام الرئاسي، قد يؤدي إلى أزمة سياسية تجعل اللجوء إلى صناديق الاقتراع والتحكم إلى الشعب حلا أمثل للأزمة. ومن المعروف أن الشعب التركي بارع في حل الأزمات السياسية عبر الانتخابات ومعاقبة الأحزاب التي تعقِّد الأمور وتتسبب في الأزمات، كما فعل ذلك في الانتخابات الأخيرة.

* كاتب تركي.