صحيح أن الإعلام وتحديدا الفضائيات قد نقلت جانبا من فظائع النظام السوري في مدينة حلب، وأحرجت العالم (الحر) بقيادة الولايات المتحدة وأوروبا، بيد أن ما خفي أعظم وأضل. البيت الأبيض الأمريكي اكتفى بالتعليق على تصريح الرئيس بشار الأسد عن عزمه تحقيق الانتصار النهائي في حلب، وقال المتحدث الرسمي إنه أمر غير مقبول.
لكن الفضائيات الغربية تغوص أقدامها في الأجندات الشريرة المرتبطة بمصالح القوى العظمى التي ليس من بينها -كما تزعم- دعم الديمقراطية وحقوق الإنسان. أما الفضائيات العربية –إلا من رحم- فهي في بيت الطاعة قابعة مستكينة، ومع ذلك تتمنى بعض الحكومات التي تعيش حالة نفسية مأزومة وحساسية مفرطة تجاه الإعلام، أن توجد ولو مقبرة جماعية تحتوي هذه الفضائيات (المزعجة).
والحقيقة أن المحطات التلفزيونية العربية استطاعت أن تدخل في زمرة الإعلام الدولي وتُغطي الوطن العربي كله وبعض البلدان المجاورة، مستفيدة من التطور التقني من جهة، ومن تحولات الانفتاح السياسي والاجتماعي والثقافي من جهة أخرى. لكنه ظل تطورا في الشكل بينما بقي الجوهر والمحتوى فارغا إلا من الغناء والموسيقى وبرامج الدجل والسحر وقراءة الكف.
يُشير مصطلح الإعلام الدولي إلى تداول الإعلام عبر الحدود، بحيث يتعدى المستهدفين من قبل هذا النوع من الإعلام نطاق الدولة الواحدة، أو الشعب الواحد، فهو عبارة عن اتصال بين أمم ودول مختلفة عبر الحدود؛ فهو تحرك الرسائل الإعلامية عبر الحدود بين اثنين أو أكثر من الأنظمة الثقافية المختلفة. فضلا عن أن التطور التكنولوجي الهائل لوسائل الإعلام خلق واقعا أفضى إلى صعوبة التفرقة الدقيقة بين ما هو إعلام وطني، وما هو إعلام دولي؛ فالإعلام الوطني الذي ينتجه مجتمع ما لمواطنيه قد أصبح له، بشكل من الأشكال -مقصود أو غير مقصود- بعد دولي؛ فالتلفزيونات الوطنية أصبحت تُشاهد عبر الأقمار الصناعية في أنحاء متفرقة من العالم.
والفضائيات هي إحدى أهم وسائل الاتصال الجماهيري الذي يتميز بقدرته على توصيل الرسائل إلى جمهور عريض متباين الاتجاهات والمستويات، ولأفراد غير معروفين للقائم بالاتصال، حيث تصل إليهم الرسالة في اللحظة نفسها وبسرعة مدهشة، مع مقدرة على خلق رأي عام، وعلى تنمية اتجاهات وأنماط من السلوك غير موجودة أصلا.
وفي عصر العولمة، يصبح للتلفزيون دور أكبر وأهم، حيث تواجه المجتمعات العربية والإسلامية حربا حضارية شرسة، وفتنا دينية وعرقية، وتحديات اقتصادية كبيرة تحتاج لخطاب إعلامي في مستوى هذه التحديات..يقول محمد حسنين هيكل وهو عند الكثيرين مرجعية إعلامية: (ما فيش إعلام لوجه الله)، وهذا يفسر الكثير مما يقوم به الإعلام الغربي تجاهنا، ويفسر بشكل أكثر تحديدا قيام قنوات أجنبية ناطقة باللغة العربية وموجهة إلى المنطقة العربية؛ فهو من ناحية يكرس لصورة نمطية مكروهة لدى الغربيين، ومن ناحية أخرى يريد من العرب المكروهين لديه أن يحبوه وتكون صورته لديهم إيجابية.
يقول ديفيد بولوك وهو دبلوماسي أمريكي سابق وأستاذ زائر في معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى: (لا نستطيع أن نقلب الصورة ونجعل أمريكا محبوبة، هناك خلافات حقيقية، ولن يمكن لأي قدر من البرامج الذكية أن تغير هذا الوضع)، والرجل يتحدث عن قناة الحرة الأمريكية التي لا يرضى عن أدائها.
تقول الباحثة الفلسطينية الدكتورة وداد البرغوثي: (تلجأ قناة الحرة إلى انتقائية مواضيع تخدم فلسفتها وهي الترويج لنمط الحياة الأمريكي، فالمواضيع يتم اختيارها من الزوايا المعتمة في الدول العربية. من ناحية ثانية تلجأ إلى انتقائية الضيوف؛ فالضيوف في أغلبهم موجودون في الخارج إما في الولايات المتحدة أو في بريطانيا، ممن يستعدون لمناقشة الظاهرة دون أن يناقشوا أسبابها، وممن هم جاهزون للدفاع عن الغرب)..تناقش القناة ومن الزاويا المعتمة قضايا مثل: عملية اختطاف في عمان، والشعوذة وضرب الودع في السودان، والدعارة في المغرب، وحياة الليل في لبنان، واللقطاء في موريتانيا، والدجل والشعوذة في مصر، الختان والمعاشرة دون عقد زواج في اليمن. وغير ذلك من الظواهر الموجودة في هذا البلد العربي أو ذاك.. وتقول البرغوثي أيضا: (تطرح قناة الحرة ما يمكن أن يقال عنه حق أريد به باطل، فهل هذه الظواهر تخص المنطقة العربية فقط؟ وهل المنطقة العربية لا يوجد فيها إلا هذه الصورة السلبية؟ فمن يرى هذا البرنامج يجد نفسه أمام عالم عربي متخلف مشعوذ جاهل..إلخ من السمات السلبية. بالمقابل نجد الحرة تلقي الضوء على الجوانب الإيجابية في الولايات المتحدة. بمعنى آخر تسلط الضوء على الزوايا الأكثر إظلاما في الدول العربية، وبالمقابل تسلط الضوء على الزوايا الأكثر إشراقا في الولايات المتحدة) .
عن صحيفة الشرق القطرية