قضايا وآراء

جمعة الأرض صفعة لدعاة الفرقة

1300x600
بأقل الخسائر والإصابات، وبكثير من المكاسب انتهت مظاهرات جمعة الأرض في مصر رفضا للتنازل عن جزيرتي تيران وصنافير للسعودية، على وعد بالعود مجددا للشارع في مليونية جديدة يوم 25 إبريل الذي يصادف ذكرى تحرير سيناء، وهو اختيار موفق كون الجزيرتين اللتين استنفر التنازل عنها الرأي العام هما جزء من سيناء التي يحتفل المصريون يوم 25 إبريل كل عام بعيد تحريرها بينما الواقع أنهم سيخرجون في هذا اليوم لمنع تنازل جديد عن جزء منها بالتواطؤ مع الجالس على سدة الحكم في مصر.

صحيح أن المصريين خرجوا بالآلاف دفاعا عن الأرض، لكن الصحيح أيضا أن الأرض لم تكن القضية الوحيدة التي شغلت المتظاهرين عند تجمعهم، بل تحول الجمع إلى "جمع ثوري ينايري" بامتياز، ظهر ذلك جليا في الشعارات الينايرية التي دوت من حناجر المتظاهرين، والتي جمعت بين شعارات اليوم الأول للثورة وبين الأيام الأخيرة في ميدان التحرير بدءا من عيش حرية (التي تم تطويرها بضم قضية الأرض ليصبح الهتاف "عيش حرية ..الأرض دي مصرية")، وانتهاء بهتافات ارحل، ويسقط يسقط حكم العسكر، ظهرت ملامح يناير على وجوه المتظاهرين أيضا، حيث هي هي الوجوه التي خرجت في الأيام الأولى للثورة، الليبرالي واليساري والإسلامي والمسيحي، الشباب والشيوخ رجالا ونساء، الجميع كتفا بكتف، والهتافات واحدة لا خلاف عليها ولا اختلاف فيها، لم يستطع احد أن يميز منتميا للإخوان عن منتم لـ6 إبريل أو الاشتراكيين الثوريين؛ بسبب التزام الجميع بروح يناير وبالهتافات المشتركة الموحدة ( وحين حاول الأمن دس بعض السيدات يلبسن النقاب لرفع شعارات وشارات غير متفق عليها بهدف زرع فتنة وسط المتظاهرين تمكن بعض العقلاء -ومنهم الكاتب اليساري محمد منير- من فضح هذه الفتنة؛ إذ إنه شاهد هؤلاء السيدات مبكرا يقفن وسط رجال ونساء آخرين تابعين للأمن، والذين يوصفون "سخرية" بالمواطنين الشرفاء، وهو ما سجله منير على صفحته.

في تقديري كانت هذه "الطلعة الينايرية" انتصارا لروح يناير الحقيقية، وانتصارا لدعاة الوحدة والعمل المشترك، وهزيمة لدعاة الفرقة والفتنة الذين علت أصواتهم طيلة الفترة الماضية، وتصاعدت بصورة كبيرة قبل يوم أو يومين من المظاهرات حين أعلن الإخوان المسلمون مشاركتهم في المظاهرات فخرج من يدعو لعدم النزول إلى جوار الإخوان لأن ذلك سيمثل انتصارا لهم، لكن هذا النزول الحاشد كان صفعة على وجه مثيري الفتن والفرقة فاضطر بعضهم أن يشارك متأخرا بعد أن تأكد من فشل دعوته ومن قوة الحشد.

هي إذن إكسير جديد لثورة يناير لكنه لا ينسينا تضحيات "ينايريين آخرين" لم يتركوا الشارع لحظة رغم كل ما تعرضوا له من قتل وتنكيل على مدى الشهور التالية للانقلاب العسكري، والذين مهدوا بتضحياتهم تلك لهذه الطلعة الينايرية المبهجة التي أعادت اللحمة لصفوف الثوار.

وفي تقديري أيضا أن دعاة الفتنة لن يسكتوا، خاصة أن بعضهم تحركه أصابع أمنية ودولة مبارك العميقة، وسيحاولون بث الفتن مجددا بين رافضي حكم العسكر، وسيحاولون إيغال الصدور مجددا، والخشية أن يبتلع بعضنا الطعم مجددا، ويقع في براثن هؤلاء، فتعلو أصوات بأن هذه مظاهرات القوى المدنية وحدها. 

وبالتالي فإن هذه القوى أو رموزها عليها أن تحتكر الدعوات للحشد والتنظيم لأي فعاليات مقبلة وأن تقصي التيار الإسلامي وتحديدا الإخوان من أي  مشاركة، رغم أن شباب الإخوان وبقية القوى الإسلامية شاركوا بقوة في مظاهرة نقابة الصحفيين والتزموا تماما بكل مظاهر الوحدة والهتافات المشتركة، ولم يظهروا أي هوية خاصة بهم، تماما كما فعل غيرهم، وكان ذلك سر نجاح اليوم، والرهان الآن على الأصوات العاقلة في كلا المعسكرين الثوريين "الإسلامي والمدني" لوأد تلك الفتن في مهدها، وعدم السماح لها أن تطل مجددا برؤوسها، حتى يتمكن الجميع من العبور، وإنهاء الحكم العسكري، واسترداد المسار الديمقراطي، والدولة المدنية، مع عودة العسكر إلى ثكناتهم لحماية الحدود والثغور والجزر.

فتحت جمعة الأرض باب أمل جديد لدعوات الاصطفاف على القواسم المشتركة، فقضية الأرض التي وحدت الجميع ليست هي القضية الوحيدة المشتركة التي لا خلاف عليها، بل هناك الكثير مثلها الذي يمثل جزءا من الثورة كقضية المعتقلين الذين ينتمون لكل التيارات الثورية أيضا، وقضية المختفين قسريا الذين هم بالمئات -بينما اهتزت أوروبا من أجل واحد فقط منهم "ريجيني"- وقضية سد النهضة، وقضية العدالة الغائبة، والعمل الطلابي والعمالي الخ، وهذه القضايا وغيرها صالحة لتجميع أبناء يناير مجددا في جبهة وطنية واحدة تضع مشروعا متكاملا للخلاص من حكم العسكر سريعا ومرحلة انتقالية تشاركية، وبناء الدولة المدنية الديمقراطية الحديثة.

هي إذن دعوة شعبية انطلقت من قلب القاهرة لكل القادة والرموز الثورية للوحدة، والعمل المشترك، وتجاوز الخلافات، وعدم الوقوف على الأخطاء التي شارك فيها الجميع، والتحرك السريع لبناء هذه الجبهة الوطنية العريضة التي تضم كل الطيف المصري من مسلمين ومسيحيين، ليبراليين ويساريين وإسلاميين، مدنيين وعسكريين، مثقفين وطلبة، عمال ورجال أعمال الخ، ولا يفوتنا هنا توجيه التحية لكل الجهود السابقة في هذا المجال حتى وإن تعثرت، أو لم تؤد الغرض الكامل، بدءا من التحالف الوطني ووثيقة بروكسل وبيان القاهرة والمجلس الثوري، وإعلان فبراير، وجبهة طريق الثورة.