حول العالم

آية الحلبية بائعة مناديل اسطنبول.. تجيد لغتين وتتعلم ثالثة

دفعت الظروف الحالية في سوريا الأطفال للعمل داخل البلاد وخارجها - أ ف ب (أرشيفية
آلاف الأطفال السوريين يحظون بفرص التعليم المجاني في المدارس السورية في تركيا، لكن آخرين لا يتمكنون من الالتحاق بالمدارس لأنهم يعملون لمساعدة أسرهم، ومنهم آية.

بائعة المناديل والكبريت، طفلة الحكايات القديمة بالنسخة السورية، تحولت من بيع الكبريت إلى بيع ولاعة السجائر أو "القداحة" بعد أن تطور العالم عبر الفارق الزمني بينهما.

فآية، الطفلة السورية الحلبية ذات الـ13 ربيعا، فضلت العمل وبيع القداحات والمناديل الورقية أمام مشفى الدولة تارة، وأمام حديقة السوريين "والي غوبيه" تارة أخرى، ورغم صغر عمرها؛ إلا أنها تجني بعض المال لمساعدة أسرتها التي تقيم في أنطاكيا منذ عامين تقريبا.

"إذا اشتريت مني وحدة جديدة ببيعك اللي معك ببلاش".. هو من عرض تقدمه الطفلة لزبائنها الذين يحملون في جيوبهم قداحات ولا يحتاجون إلى واحدة جديدة. بأسلوب مقنع وابتسامة عذبة تستطيع الطفلة إقناعك بشراء قداحة على الأقل، إن لم تتمكن بخبرتها التي اكتسبتها على مدى عامين من بيعك علبة من المحارم بالإضافة لولاعة السجائر.

في مدينة أنطاكيا التركية، ليست آية الطفلة الوحيدة التي تقوم بهذا العمل، بل هنالك عشرات الأطفال ينتشرون في عدة أحياء من المدينة، يبيعون أشياء متنوعة قد لا تدر عليهم ربحا يعادل ساندويشة الشاورما، لكن هذه الساندويشة التي يبلغ سعرها خمس ليرات تركية، لا يتناولها الأطفال، بل يشتري بها ذووهم طعاما قد يكفي العائلة كلها ليوم كامل.. فمم يشكو العدس مثلا؟

والد آية مبتور الساقين، ولم يولد الرجل بهذه الحال، كما أنه لم يتعرض لإصابة عمل حصل بعدها على حقوقه، إنما فقد الرجل ساقيه عندما سقط برميل متفجر على حي الفردوس في حلب. ويعتقد الرجل أن حظه الجيد أبقاه على قيد الحياة، وأن "خسارة الساقين أهون بكثير من خسارة أحد أطفالي الأربعة أكبرهم آية".

تنطلق آية مع والدها صباحا دافعة كرسيه المتحرك إلى نقطة يتم اختيارها يوميا، بحيث يتم تغيير منطقة البيع بشكل مستمر خشية شكاوى تقدم من قاطني الأحياء. توصل أباها إلى مكانه وتجهز له "البسطة"..

والبسطة باللغة التركية تعني قالب الكاتو الذي لا تفكر به آية أبدا، إنما البسطة بـ"الحلبية" هي المسطبة الخشبية وما فوقها من بضائع مصفوفة مرتبة للعرض والبيع، وبعد ترتيب وضع والدها. تنتقل آية حاملة المناديل الورقية إلى حي آخر لتبدأ يومها بالابتسامة والرضى.

درست آية الصف السادس في حلب، لكنها لم تدخل المدرسة قط في أنطاكيا، إلا أنها تعلمت اللغة التركية بسرعة كبيرة، ويبدو أن اختلاطها بالناس أثناء عملها مكنها من ذلك، كما أنها تجيد القراءة والكتابة باللغة العربية، لكن لا بد أن نذكر أن الطفلة الحلبية تعرف عددا لا بأس به من مفردات اللغة الإنجليزية أيضا، وتحاول تعلم المزيد.

الطفلة التي تجيد لغتين وتبيع المحارم وولاعات السجائر، تدرك أنها طفلة ذكية ولا يغيب عنها ذلك، وتؤكد أنها ترغب أن تتعلم الإنجليزية أيضا: "فلو تعلمتُ الإنجليزية سأجد فرص عمل كثيرة، هذا لأنني حينها سأتكلم بثلاث لغات هي الإنجليزية، والعربية، والتركية.. قد أعمل مترجمة براتب كبير، وعند حدوث ذلك، لن أسمح لوالدي أن يبيع القداحات ولا أن يفتح بسطة بل لن أسمح له بالعمل أبدا، فأنا من ستنفق عليه وعلى إخوتي الصغار"، بهذه الكلمات تختم حديثها مع "عربي21".