كتاب عربي 21

زيارة الملك سلمان لأنقرة وموضوع المصالحة مع مصر

1300x600
العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز يقوم حاليا بزيارة رسمية لتركيا، تلبية لدعوة رئيس الجمهورية التركي رجب طيب أردوغان، وللمشاركة في أعمال قمة منظمة التعاون الإسلامي التي تستضيفها مدينة إسطنبول. ووصل الملك سلمان إلى العاصمة التركية أنقرة، مساء الاثنين، قادما من القاهرة، بعد زيارة لمصر استغرقت خمسة أيام ووصفت بـ"تاريخية"، ولكنها في الوقت نفسه أثارت ضجة كبيرة في الشارع العربي بسبب اتفاقية ترسيم الحدود البحرية بين البلدين وتنازل مصر بموجب الاتفاقية التي تم التوقيع عليها خلال الزيارة، عن جزيرتي تيران وصنافير للسعودية.

أردوغان استقبل الملك سلمان في مطار أسن بوغا بحفاوة بالغة، كما منحه في المجمع الرئاسي وسام الجمهورية التركية، أرفع وسام تركي، تعبيرا عن العلاقة القوية التي تجمع بين البلدين، وقال إن العاهل السعودي "صمام أمان للاستقرار والأمن في المنطقة بفضل ادارته الحكيمة". ومجيء هذه الزيارة مباشرة بعد زيارة الملك سلمان للقاهرة فتح بطبيعة الحال أبواب التكهنات حول الوساطة السعودية للمصالحة بين أردوغان والسيسي وترميم العلاقات التركية المصرية، إلا أن المتحدث باسم رئاسة الجمهورية التركية إبراهيم كالين نفى أن تكون زيارة العاهل السعودي إلى تركيا من أجل الوساطة بين أنقرة والقاهرة.

العلاقات التركية السعودية لا يمكن اختزالها في جهود الوساطة بين أردوغان والسيسي، فهناك ملفات وقضايا عديدة ذات الاهتمام المشترك بين تركيا والسعودية، مثل الملف السوري والملف اليمني والملف العراقي والملف الفلسطيني وملف التحالف الإسلامي لمكافحة الإرهاب. وبالتالي، ستكون الأولوية في زيارة الملك سلمان هذه للمباحثات حول تلك الملفات والقضايا وتنسيق الجهود لحلها، وتبادل الآراء حول التحديات والتطورات الإقليمية، بالإضافة إلى سبل تطوير التعاون في المجالات السياسية والاقتصادية والتجارية والأمنية والعسكرية والثقافية، وتعزيز العلاقات الثنائية التي بدأت تكتسب زخما في الآونة الأخيرة.

ولكن ماذا سيكون جواب الجانب التركي لو فتح الملك سلمان بن عبد العزيز على هامش المباحثات موضوع المصالحة بين تركيا ومصر، وقال لأردوغان: "إذا كنت تستطيع التصالح مع إسرائيل، فلم لا تتصالح مع مصر؟"، وهل يفتح تحقيق المصالحة بين تركيا وإسرائيل الطريق أمام مصالحة مشابهة بين تركيا ومصر؟

المصالحة بين أنقرة وتل أبيب لم تتم بعد، على الرغم من الإعلان بين الفينة والأخرى بأن هناك تقدما في المفاوضات الجارية بين الجانبين التركي والإسرائيلي، ومن المبكر القول بأن تركيا تصالحت مع إسرائيل قبل التوقيع على الاتفاق النهائي، في ظل تمسك أنقرة بالشرط الثالث المتعلق برفع الحصار عن قطاع غزة.

هناك ثلاثة شروط تتمسك بها تركيا لعودة علاقاتها مع إسرائيل إلى سابق عهدها، وحققت إسرائيل الشرط الأول وقدمت إلى تركيا اعتذارا رسميا، ومستعدة لتحقيق الشرط الثاني المتعلق بدفع التعويضات إلى أسر ضحايا الاعتداء الإسرائيلي على سفينة مرمرة، ولكنها مترددة في الشرط الثالث وهو رفع الحصار عن غزة، وتجري المباحثات لإيجاد صيغة لتحقيق هذا الشرط ترضي الجانبين بالإضافة إلى الجانب الفلسطيني.

أنقرة تشترط أيضا بعض الشروط للمصالحة مع القاهرة، مثل إطلاق سراح جميع السجناء والمعتقلين السياسيين، على رأسهم الرئيس المنتخب الشرعي محمد مرسي، والسماح للأحزاب كلها بممارسة أنشطتها السياسية دون إقصاء أي واحد منها. ولم يتحقق حتى الآن أي من هذه الشروط.

ولعل الأهم في الموضوع هو أن تركيا ليست بحاجة في الوقت الراهن للمصالحة مع مصر في ظل حكم السيسي الذي يترنح على الرغم من حصوله على دعم سخي من دول الخليج، ويتعرض لانتقادات غربية لتورطه في قضية مقتل الطالب الإيطالي جوليو ريجيني، بالإضافة إلى تصاعد وتيرة الغضب الشعبي ضد قائد الانقلاب العسكري المتهم بــ"الخيانة العظمى" و"التفريط في تراب الوطن مقابل المال" بسبب تنازله عن جزيرتي تيران وصنافير. وليس هناك أي دافع ليورِّط أردوغان نفسه في المصالحة مع السيسي في الظروف الراهنة ودون أن تحقق القاهرة أيا من شروط أنقرة.

* كاتب تركي