ملفات وتقارير

"وثائق بنما" تكشف كيف سرق متنفذون عطاءات الدولة الأردنية

رئيس الحكومة الأردنية عبدالله النسور: لا يوجد قضية فساد واحدة في آخر خمس سنوات- أرشيفية
كشف تحقيق استقصائي نشره موقع أردني، عن إمبراطورية شركات "مخفية" لرجل أعمال؛ سيطرت على عطاءات في الدولة الأردنية بدعم من مسؤولين.

وجدّد التقرير الذي استند على ما يعرف بـ"وثائق بنما" ونشره موقع "راديو البلد"، مطالب قوى سياسية في الشارع الأردني بمحاربة الفساد، ووقف "نهب مقدرات الوطن" بعدما توقفت الحكومة الأردنية عن فتح ملفات فساد؛ عقب تراجع وتيرة الحراك الشعبي المتزامن مع ثورات الربيع العربي.

ويتهم ناشطون في الحراك الشعبي شخصيات متنفذه "لها علاقات مع صانعي قرار في الدولة الأردنية" بـ"قضايا فساد". وبحسب الناشط السابق في الحراك علاء الفزاع؛ فقد "بينت السنوات الماضية أن شخصيات مقربة من القصر، ومرتبطة به؛ أدارت شركات بعضها على نمط أوف شور، التي تؤسس بمناطق وتمارس عملها وأنشطتها بمناطق أخرى"، مشيرا إلى أن تلك الشركات "تولت عددا من أكبر العطاءات في الدولة".

واستشهد الفزاع في حديثه لـ"عربي21" بأمثلة كـ"ترخيص شركة الاتصالات (أمنية) ثم بيعها، وشركة الفوسفات، وعطاءات اللوحات الإعلانية في الطرق، وغيرها الكثير"، مبينا أن تلك الشركات "تولت تنفيذ العطاءات الكبرى بدون أي مساءلة أو منافسة حقيقية، ويمكن تخيل حجم الفساد الناتج في مثل هذه الحالات"، على حد وصفه.

ومن بين الشخصيات "البارزة" التي تمكن "الربيع الأردني" من الإطاحة بها؛ رئيس مجلس إدارة شركة الفوسفات السابق وليد إسماعيل الكردي، صهر العائلة المالكة، الفار من وجه العدالة منذ سنوات، والذي صدر حكم بحقه على خلفية قضيتي بيع منتجات الفوسفات، وعقود الشحن البحري، اللتين حوكم فيهما غيابيا بشبهات فساد تصل إلى 40 مليون دولار، وقضت محكمة جنايات عمان في 2013 بوضعه بالأشغال الشاقة المؤقتة لمدة 22 عاما ونصف العام، والأشغال الشاقة المؤقتة لـ15 عاما، وتغريمه مبلغ 285 مليون دينار.

وعلى وقع تأكيدات رئيس الحكومة الأردنية عبدالله النسور، بـ"عدم وجود قضية فساد واحدة في آخر خمس سنوات، ولا حتى إشاعة بوجود فساد"؛ فقد نشر "راديو البلد" المحلي تحقيقا استقصائيا تحت عنوان "فردوس شاهين المجهول" بقيادة الاتحاد الدولي للصحافيين الاستقصائيين (ICIJ) كجزء من مشروع مشترك لأكثر من 330 صحفيا استقصائيا حول العالم، بالاستناد إلى أكثر من 11 مليون وثيقة مسربة حصل عليها (ICIJ)، تتضمن رسائل بريد إلكترونية، وحسابات مصرفية، وسجلات العملاء، لواحدة من أكبر شركات خدمة تسجيل شركات الـ"أوف شور" في العالم، وهي شركة "فونسيكا" ومقرها بنما.

ملابسات لم تنشر من قبل

وبحسب معد التحقيق مصعب الشوابكة، فقد "كشفت الوثائق عن ملابسات لم تنشر من قبل؛ تتعلق باستثمارات رجل الأعمال الأردني خالد شاهين داخل البلاد، وعلاقتها بنحو 26 شركة مسجّلة في ثلاثة ملاذات ضريبية آمنة حول العالم، وكيف دخلت بعض هذه الشركات في عطاءات حكومية رئيسة؛ مثل توسعة مصفاة البترول، وجرّ مياه الديسي".

يقول الشوابكة لـ"عربي21" إن التحقيق بيّن "خطورة تعاقد الحكومات الأردنية المتعاقبة مع شركات (أوف شور) مسجّلة في ملاذات ضريبية آمنة، دون البحث في هوية المالك الحقيقي للشركة، وكيف انتهت ثلاثة ملفات على الأقل لشركات من هذا النوع أمام هيئة مكافحة الفساد".

وتَقدّمت شركتان من هذه الشركات على الأقل للدخول في عطاءات عامة بالأردن، الأولى "إنفرامينا" في عطاء المصفاة، والثانية "إنفست كورب سيكيوريتيز" (Invest corp Securities) التي حصلت على عقدين من صندوق "دعم المشاريع التنموية والاستثمارية" الخاص بالقوات المسلحة والأجهزة الأمنية، لجرّ مياه الديسي، وتوفير عمولة إنشاء مبنى القيادة العامة للقوات المسلحة، وقبضت عنهما ما مجموعه نحو 16 مليون دولار أمريكي، بحسب هيئة مكافحة الفساد الأردنية.

وقال الشوابكة إن الوثائق بينت أن "رجل الأعمال شاهين يملك أسهما في نحو 34 شركة داخل الأردن، منها تسع يساهم فيها عبر شركتين أجنبيتين"، هما "شاهين بزنس أند إنفستمنت غروب إس إيه" (.SBIG S.A)، و"أوليه هولدنغز ليمتد" (Holdings Ole limited)، و"تساهم الشركتان ذاتهما في نحو 12 شركة أخرى أوف شور مسجلة في جزر العذراء البريطانية".

وبحسب التحقيق؛ فقد بلغ مجموع رؤوس الأموال المصرح بها لشركات شاهين داخل البلاد وخارجها؛ نحو تسعة ملايين دينار أردني، منها نحو ثمانية ملايين للشركات الأردنية، ونحو مليون للـ"أوف شور".

و"رغم محاولاته تجنّب دفع جزء من أعبائه الضريبية؛ فقد سُجّلت ضد شاهين ثلاث قضايا ضريبية على الأقل لدى المحاكم الأردنية، في الفترة ما بين 2003 و2015، وبموجب تلك القضايا جرى إلزامه بدفع الضريبة المتحققة عليه، والمقدرة بما مجموعه 22 ألف دينار".

وكشف التحقيق عبر تتبع الشركات التي يساهم فيها  شاهين داخل وخارج البلاد؛ عن الأسلوب الذي يعتمده لتجنب دفع جزء من ضرائبه بطريقة قانونية، وتحويلها خارج البلاد. وتقوم الفكرة على تأسيس شركة داخل الأردن، وتوزيع أجزاء بسيطة من أسهمها على المالكين المصرّح بأسمائهم في السجّل التجاري، فيما تسجّل حصة الأسد من تلك الأسهم باسم شركة مسجّلة في ملاذ ضريبي آمن خارج البلاد، بما يضمن عدم الكشف عن هوية المالك الحقيقيّ، وهذا ما حدث بالضبط في الشركة العربية لتصنيع المركبات، وهي "شركة أردنية يملكها شاهين وبعض إخوته، تأسست عام 1999 بواقع 100 ألف حصة؛ لكل حصة دينار".

وأكد الشوابكة أن "الأيام القادمة ستشهد وجبة أخرى من تسريبات وثائق بنما؛ تكشف عن رجال أعمال وسياسة تحوم حولهم شبهات فساد واستغلال للمناصب".

تنصل حكومي

من جهتها، قالت الحكومة الأردنية على لسان "مصدر رسمي" لوسائل إعلام محلية، إن قضايا مشروع التوسعة الرابع لمصفاة البترول، ومشروع دراسة الجدوى الاقتصادية لجر مياه الديسي، وعمولة مبنى القيادة العامة للقوات المسلحة "حولت جميعها لمحكمة أمن الدولة قبل سنوات، وصدرت فيها أحكام قضائية، ونفذت".

وكانت الحكومة الأردنية قد فتحت -بفعل الضغط الشعبي إبان الربيع العربي- ملفات فساد في عطاءات حكومية، وأصدرت محكمة أمن الدولة الأردنية عام 2012 أحكامها بحق المتهمين الأربعة في قضية عطاء توسعة شركة مصفاة البترول (وهم رئيس مجلس إدارة المصفاة الأردنية السابق عادل القضاة، ومديرها التنفيذي السابق أحمد الرفاعي، والمستشار الاقتصادي في رئاسة الوزراء محمد الرواشدة، ورجل الأعمال خالد شاهين) بوضع كل منهم بالأشغال الشاقة المؤقتة لمدة ثلاث سنوات، وذلك على خلفية إجراءات استقطاب الشريك الاستراتيجي لمشروع التوسعة الرابع في المصفاة.

من جهته؛ دعا عضو لجنة النزاهة في البرلمان الأردني، علي السنيد، الحكومة الأردنية لـ"إعادة فتح تحقيق جديد في ما نشر بوثائق بنما"، متهما الحكومة الحالية بأنها "جاءت لتحصين الفساد والتستر عليه، بعدما صرحت بأنها لن تحقق في مضمون الوثائق".

واعتبر السنيد في حديث لـ"عربي21" أن "ما يحدث بالأردن هو تحول الفساد إلى فساد صامت، حيث أصبح جزءا من المؤسسية، وشُرعت له مجموعة من القوانين؛ كقانون مكافحة الفساد الذي تجاوز مرحلة الفساد قبل سنة 2006، على اعتبار أن القانون لا يحاسب الفاسدين بشكل رجعي".

يذكر أن الوثائق المسربة من شركة "فونسيكا"؛ أظهرت مساعدتها لتجار مخدرات، وأعضاء مافيا، وسياسيين، ومتهربين من الضرائب، في كسر قوانين بلدانهم، وإخفاء ثرواتهم واستثماراتهم، ونقلها دون علم السلطات الرسمية بمالكيها، علاوة على التهرب من دفع الضرائب.