ملفات وتقارير

صحفي ألماني يكتب من خلف خطوط النار مع تنظيم الدولة

الرقة - أرشيفية
نشر الصحفي الألماني جورغن تودينهوفر في صحيفة الغارديان مقتطفات من كتابه "عشرة أيام في الدولة الإسلامية" الذي يصدر بالإنجليزية في الحادي والعشرين من هذا الشهر.

يقول جورغن إن أبا قتادة -وهو ألماني متحول للإسلام- هو من توسط لزيارته لأراضي تنظيم الدولة، ويصف كيف وضع هو وابنه المصور فريدريك حقائبهما في سيارة بيك آب بيضاء جاء فيها أبو قتادة، ليأخذهما يوم الأحد 7 كانون ثان/ ديسمبر 2014، ويصف كيف كان السائق الذي ألقى السلام بالإنجليزية بلهجة جيدة ملثما، بحيث لا يظهر منه سوى عينيه وشكل أنفه. وتجنبت السيارة الشوارع الرئيسية، واستغرقت الطريق للرقة أكثر من ثلاث ساعات.

ويقول: "يدعي أبو قتادة بأن التجارة مزدهرة في مناطق التنظيم، وكل المتاجر تقريبا مفتوحة. ونلاحظ مشاريع بناء جديدة، فيقول أبو قتادة: "الحياة تجري بشكل طبيعي في المناطق التي لا تقصف"، ثم يعطينا محاضرة مختصرة في نسخة داعش من الشريعة".

ويصف الصحفي الألماني كيف شرح لهما أبو قتادة أن من يسرق ما قيمته 40 دولارا (1 غرام ذهب) تقطع يده، وأن على النصارى دفع الجزية (300 دولار في السنة للفقراء و600 دولار للأغنياء)، وكيف بين لهما أن هذه هي الضريبة الوحيدة التي يدفعها النصارى، الذين يعدّون من أثرياء المواطنين، وكل ما يحتاجه الواحد منهم هو بيع رأسي غنم ليحصل  على المبلغ. وكيف أن على المسلمين دفع الزكاة، حيث يدفع الأثرياء منهم أكثر من الجزية، وكيف تستخدم أموال الزكاة البرامج الاجتماعية مثل المستشفيات الثلاثة التي يديرها التنظيم في الرقة.

وحول التمويل، يقول أبو قتادة إن التنظيم يمول نفسه من خلال الغنائم التي يكتسبها في المعركة ومن خلال بيع النفط والزكاة.

وينفي أبو قتادة وجود أسواق لبيع العبيد. لكنه يضيف أن "العبيد هم جزء من الغنائم؛ ولذلك يوزعون على المقاتلين أو يباعون، ثمن المرأة اليزيدية حوالي 1500 دولار (1050 جنيه إسترليني) في الوقت الحاضر، يساوي حوالي سعر الكلاشنكوف".

يكمل جورغن قصته ويقول: "وصلنا الرقة وقد دخل الليل، ومشينا بالسيارة في ساحة دائرية كنا قد رأيناها في التقارير الإخبارية، وهي محاطة بسياج حديدي. هنا تعلق الرؤوس المقطوعة للأعداء للعرض. كنت تخيلت الساحة أن تكون أكبر من ذلك بكثير. لم يسمح لفريدريك بأخذ أي صور، وكان القرار لسائق السيارة الذي كان من الواضح أن له كلمة مسموعة".

وعندما سأل فريدريك عن مصير أجساد المختطفين المقتولين، مثل جيمز فولي وغيرهم، أجابه أبو قتادة بغير مبالاة: "تم دفنهم كل على حدة أو في الواقع تم إلقاؤهم داخل الأرض في مكان ما".

ويصف جورغن كيف كان عليهم أن يتركوا أجهزة الآيفون الخاصة بهم في الرقة عند سفرهم في اليوم التالي للموصل؛ لأنه لا يمكن إغلاق نظام جي بي إس فيها، ويشكل ذلك خطرا أمنيا، كما أن أبا قتادة شرح لهما بأن كل الصور والفيديو ستتم مراجعتها قبل خروجهما، وهذا هو الإجراء الطبيعي خلال الحرب.

لدى سماع الصحفيين ذلك بدا عليهما التجهم؛ لأن ذلك لم يكن هو ما تم الاتفاق عليه، ولكن السائق يعيد المطلوب بشكل قاطع وبارد، ثم يمد برأسه للأمام، وينظر إليهما، ويسألهما إن كانا فهما أخيرا، "وساد جو بارد الغرفة؛ فقد تغيرت النبرة والجو فجأة، وبدا أبو قتادة يجد الوضع كله غير مريح".

وفي اليوم التالي، أخبرهما أبو قتادة بأنه لن يسمح لهما بكتابة التقارير دون تدقيق، وأنه غير مسموح لهما بالتجول في الرقة كما يشاءا، وعليهما البقاء في السكن حتى وقت السفر للموصل، ويقول جورغن إنه طلب رؤية الصحفي البريطاني المحتجز جون كانتلي أو مقابلة الجلاد الشهير (جون الجهادي) قبل مغادرته الرقة، ولكن كان الجواب بالرفض القاطع.

ثم يقول إن مقاتلا ألمانيا آخر من أصول مغربية جاء مع السائق المتحدث بالإنجليزية، الذي ما يزال مقنعا. وقام السائق بالإمساك بزمام الحديث مباشرة، وأظهر أنه لا يثق في الصحفيين، وأوضح أنه إن لم نقبل الشروط فبإمكاننا المغادرة الآن. واقترح حلا وسطا وهو أن يرينا بعض ما نريد، وإن أثبتنا بأنه يمكن الوثوق بنا فيمكن أن ترفع القيود في الزيارة القادمة. 


في الحقيقة، شعرنا بأننا حققنا الكثير، ويجب أن نعتبر أنفسنا محظوظين؛ لأننا أول صحفيين غير مسلمين يدخلون مناطق التنظيم ولا تقطع رؤوسهم، يقول جورغن.

ويقول إن السائق الملثم أراد أن يعرف لماذا كنا مهتمين برؤية "جون الجهادي" وكانتلي، ولماذا لم نكن مهتمين بمعاناة المسلمين في ذلك البلد.

ويقول إنه بالرغم من احتجاجاته، إلا أن موضوع كانتلي كان يهمه. ويغادرنا للحديث لقيادته مرة أخرى، ليرى إن كان بإمكاننا زيارة الرقة، وإن كان اللقاء بكانتلي ممكنا حتى دون كاميرات، فزيارتنا تم ترتيبها عن طريق المكتب الإعلامي ومكتب الخليفة، ولذلك لا أحد يريد أن يغامر.

وعندما عاد أبو قتادة والسائق كانا منزعجين، وحصلت مشادة، حيث خير السائق جورغن بين الذهاب لتركيا أو إلى الموصل، وقال له إن القيود ذاتها مفروضة في الموصل أيضا. وعندما احتج جورغن قائلا إن منعه من الخروج غير مقبول، وإنه لم يحصل معه حتى لدى طالبان، أجابه السائق: "نحن لسنا طالبان".

واحتج جورغن قائلا إن الدعوة كانت موجهة له من الخلافة، والآن هو يعامل هو وابنه كأنهما سجينان، فقال له الملثم: "لستما سجينين.. فالسجناء لا يختارون وجباتهم".

يقول جورغون: "فصرخت [على الملثم] بصوت عال: غير من نبرتك الآن، لدرجة أنه قفز".

ويكمل قائلا إن النظرة التي كان يرمقهما بها كانت تشير إلى أنه لا أحب عنده من أن يقطع رأسيهما. وحاولنا أن نخلص نفسينا من هذا الصراع دون فقدان ماء الوجه، وفي الوقت ذاته العودة إلى حالة يمكننا التفاوض. فقلت للإنجليزي بهدوء سنعود الآن إلى غرفتنا، لنقرر إن كنا نريد الذهاب للموصل أو العودة. 

يقول: وفكرنا إنه إن غيرنا رأينا الآن وقررنا العودة، فقد يغير تنظيم الدولة رأيه ويرى أن اختطافنا وقطع رأسينا فيه فائدة أكبر؛ فذلك لن يكون أسوأ بالنسبة لهم من أن نعود ونقول إن تنظيم الدولة لا يفي بكلمته. إن الأمر أصبح معقدا بالنسبة لي. فلا أريد أن أقطع الرحلة بسبب تجاوز للإتيكيت. وعدا عن ذلك فإن الدول الغربية نفسها تدقق في الأفلام والصور في مناطق الحروب، فقررنا أن نستمر في الرحلة، ولكن أن نصر على أن تتغير النبرة.

وفي حين كانا يناقشان المسألة، أتى أبو قتادة إلى غرفتهما، وسألهما إن كانا يريدا شيئا، وواضح أنه بذلك كان يلطف الجو. وعندما غادر جاء فريدريك وجلس بجانبي شاحب الوجه، وهمس لي: "لست متأكدا تماما؛ لأنني لا أستطيع التأكد دون كمبيوتري، ولكني أظن أن الإنجليزي الملثم هو جون الجهادي". وجلسنا معا لفترة طويلة ينظر أحدنا للآخر.

في اليوم التالي (الثلاثاء 9 كانون أول/ ديسمبر)، سافرا إلى الموصل في سيارة باص صغيرة، حيث يسيطر على البلد 5000 مقاتل من مقاتلي التنظيم، والتي تعدّ قلب الأراضي التي يسيطر عليها التنظيم.

يقول جورغن: "بدت المدينة عادية؛ الناس في الشوارع وكثير من السيارات تسير في الشوارع أيضا، ويقول إنه بينما كان يسير الباص في المدينة لم ينس "الأعداد الكبيرة من الشيعة واليهود الذين قتلوا في المدينة أو طردوا منها، والكثير من النصارى الذين هربوا، حتى أصبحت الموصل الآن مدينة سنية بحتة".

ثم يقول إنهم دخلوا شارعا فرعيا للذهاب إلى قسم الإعلام، وإنهم دخلوا دكانا صغيرا عبارة عن دار نشر للتنظيم، فيها الكتيبات والمنشورات التي ستوزع على الأراضي التي يسيطر عليها التنظيم، ويشير إلى منشور عن "كيفية التعامل مع العبيد"، وعن "مبايعة الخليفة"، وعن "كيف تلبس المرأة وتتصرف"، وعن "رعاية الفقراء"، و"كيف تكون مقاتلا جيدا في الدولة الإسلامية"، وفقه الجهاد الذي يعتقد أبو قتادة أنه لو وجد مع شخص في ألمانيا لسجن سبع سنوات.

في اليوم التالي، اقترحوا علينا الذهاب إلى مطعم لتناول السمك المسكوف، أكل الجميع لكن أبا قتادة طلب وجبة سمك مختلفة، وقال إنه كان عليه أن يمر من الغرفة الأخرى ليصل إلى الحمام، وإنه خلال مروره رأى السائقين من الرقة مع مرافقيهم في الموصل، وكانا دون القناع، ويقول إنه اعتذر واستمر في طريقه إلى الحمام.

وأضاف أنه خلال العودة لاحظ أن السائق كان غاضبا، ويقول ربما لأني رأيته دون قناع، ولدى وصولهم للبيت حملق في فريدريك، وقال له: أحضر لي كل الكاميرات الآن وكل بطاقات الذاكرة؛ لأنني أريد أن أشاهد ما فيها، وسأعمل لكم نسخة وأعطيك الكاميرات غدا، فحاول فريدريك أن يقول إنه ليس راضيا، ولكن هذا زاد من غضب السائق، "وصار على وشك الانفجار"، ويرى فريدريك مدى توتر الوضع، فيجلب الكاميرات ويعطيها للسائق.

ثم يقول إن الهوة بينهما وبين المرافقين زادت على مدى اليومين اللاحقين في الموصل قبل العودة للرقة، حيث بدأ انتظار العودة، وفي يوم الاثنين 15 كانون ثاني/ ديسمبر، أعطيا أجهزة الموبايل الخاصة بهما، وتم أخذهما للحدود التركية من خلال حقول محروثة.

ويقول إن فريدريك اتصل به بعد يومين، وأسمعه تسجيلا، وقال له: أتعرف هذا الصوت، إنه سائقنا.. إنه "جون الجهادي"، وبعدها شغل فيديو لجون الجهادي يهدد بقطع رأسي اليابانيين المختطفين، و"عندما سمعت الصوت كأن أحدا ضربني على رأسي"، لقد غيروا صوته إلكترونيا في التسجيلات بتخفيض النغمة، ولكن الإيقاع هو نفسه.