جزعت مع غيري من المصريين الوطنيين الشرفاء من خبر مقتل 18 من مجندي الشرطة قبل أيام ودعوت لهم بالرحمة والشهادة، ولكني لم أستطع أن أتجاهل أنهم ضحية تطبيق خاطئ لقانون التجنيد.
أولا: فمن ناحية عدم الدستورية وافتقادها للمشروعية:
فليس هناك من سند دستوري او قانوني يسمح بان تجند وزارة الدفاع مواطنين في غير مهام قوات الجيش المسلحة أما من يزيدون عن حاجة الجيش فيجب تسريحهم ولا يجوز تكليفهم بمهام خارج نطاق الجيش.
وهذا الحكم ليس من عندي بل اعتقد انه التطبيق السليم للنصوص الدستورية و القانونية كما ساوجز في هذا المقال.
النصوص الدستورية
أحكام دستور 1923 مادة 146 ومادة 147، كما ينص دستور1971 المادة 58 فان "الدفاع عن الوطن وارضه واجب مقدس، والتجنيد اجباري وفقا للقانون"، ونصت المادة 180علي أن "الدولة وحدها هي التي تنشئ القوات المسلحة وهي ملك الشعب، مهمتها حماية البلاد وسلامة اراضيها وامنها .... ولا يجوز لأية هيئة (والنص هنا مطلق ويشمل بالضرورة هيئة الشرطة باعتبارها هيئة مدنية ).. انشاء تشكيلات عسكرية او شبه عسكرية...".
ووصف دستور1971 في المادة 184 الشرطة على أن الشرطة هيئة مدنية نظامية،... وحدد في ذات المادة واجبات الشرطة بأنها في خدمة الشعب، وتكفل للمواطنين الطمأنينة والامن، وتسهر على حفظ النظام والامن العام والآداب، وتتولى تنفيذ ما تفرضه عليها القوانين واللوائح من واجبات...
وينص دستور 2013: في المادة 201 على أن "...الدفاع عن الوطن، وحماية أرضه شرف وواجب مقدس، والتجنيد إجباري"، ولهذا الغرض ونص في المادة (206) على ان الشرطة هيئة مدنية نظامية، في خدمة الشعب، وولاؤها له، وتكفل للمواطنين الطمأنينة والأمن، وتسهر على حفظ النظام العام، والآداب العامة، وتلتزم بما يفرضه عليها الدستور والقانون.
أما دستور 2014 الساري حاليا فينص في المادة (86) على أن "الدفاع عن الوطن، وحماية أرضه شرف وواجب مقدس، والتجنيد إجباري...". ويحدد في المادة 200 الخاصة بالقوات المسلحة أن "مهمتها حماية البلاد، والحفاظ على أمنها وسلامة أراضيها، والدولة وحدها هى التى تنشىء هذه القوات، ويحظر على أي فرد أو هيئة أو جهة أو جماعة إنشاء تشكيلات أو فرق أو تنظيمات عسكرية أو شبه عسكرية".
وعن الشرطة تناول النص عليها في المادة 206 فحدد بأن "الشرطة هيئة مدنية نظامية، في خدمة الشعب، ولكن قانون الخدمة العسكرية والوطنية المصرية رقم 127 لسنة 1980 تجاوز النص الدستوري الوارد في جميع الدساتير بما فيها دستور 2014 وابتدع نصا موسعا باضافة ما اسماه بالخدمة الوطنية الى موضوعه الأصلي الدستوري وهو الخدمة العسكرية. فنص في المادة 1 على انه "تُفرض الخدمة العسكرية على كل مصري من الذكور اتم الثامنة عشرة من عمره"، ولكنه اضاف حكما خارجا عن دستور حيث قرر "وتفرض الخدمة الوطنية على من اتم الثامنة عشرة من الذكور والإناث"...
وفي مادته الثانية قرر "أن الخدمة العسكرية الالزاميه العاملة ويؤديها الذكور في المنظمات الاتية:
أ) القوات المسلحة بفروعها المخلتفة. وهذا نص دستوري مشروع.
ب) الشرطة والمصالح والهيئات الحكوميه ذات النظام العسكرى وهو حكم يخالف الدستور.
وفي تعديل أخير لبعض مواد قانون الشرطة وصدر في 10 نوفمبر 1971 مادة (114) تعديل لقانون الشرطة ينص على أنه "يسري على أعضاء هيئة الشرطة ما لا يتعارض مع هذا القانون من الأحكام الواردة في قانون نظام العاملين المدنيين بالدولة وفي قانون التأمين الاجتماعي"، ويؤكد ذلك الطبيعة المدنية للشرطة.
ولست انفرد في رصد هذه المخالفات الدستورية في قانون الشرطة ففي 14 يونيو 2011 نشرت أ.ش.أ رأيا للمستشار أحمد الفقي، نائب رئيس محكمة استئناف القاهرةقال فيه أن قانون الشرطة مخالف للدستوروقال أن قانون الشرطة الحالي ظل يخالف دستور 1971 في بعض مواده لمدة 40 عاما، فضلا عن مخالفته للدستور.
وأثبت في بحثه عدم دستورية قانون الشرطة الحالي، ودعي لتغيير قانون الشرطة، وقال إن هناك 3 مواد تضمنها دستور 1971، أولها المادة 22 منه، والتي تنص على أن إنشاء الرتب المدنية محظور، وثانيها المادة 180 من الدستور السابق، والتي تنص على أن الدولة وحدها هي التي تنشئ القوات المسلحة،ولا يجوز لأي هيئة أو جماعة إنشاء تشكيلات عسكرية،وأكد أن رتب الضباط المنصوص عليها في قانون الشرطة تتماثل تمامًا من حيث الشكل والمسمى مع الرتب العسكرية لضباط القوات المسلحة المنصوص عليها في المادة 11 من القانون رقم 232 لسنة 1959 بشأن شروط الخدمة والترقية لضباط القوات المسلحة، ومن ذلك يتضح أن رتب الضباط المعمول بها في قانون الشرطة هي في حقيقتها، وفي شكلها رتب عسكرية، مما يخرجها عن مفهوم المدنية النظامية، ويجعلها في صورة تشكيلات عسكرية بما يخرج عن مفهوم المدنية النظامية، وهذا ما يخالف الدستور. فضلا عن أنه وضع غريب تنفرد به مصر عن دول العالم الديموقراطية ،فلم نسمع أبدا عن جنرالا في الشرطة ، و انما يكتفي بتخصيص زي خاص برجال الشرطة الذين يقومون بدوريات او يكلفون بالتصدي للمجرمين و لا تعسكر رتبهم و يمنح رئيس الدورية أو القوة لقب ملا زم اما جميع رؤساء الشرطة و كبار المسئولين فيمنحون رتبا مدنية كمفتش أو رئيس.
الوضع القانوني لقوات الأمن المركزي
نأتي بعد ذلك الي قوات شرطية هي في حقيقتها قوات عسكرية يجاوز عدد افرادها 300 الف مجند بقرار من وزير الداخلية و موافقة رئيس الجمهورية دون اصدار اي قانون ينظم عمل وواجبات هذا الجهاز الضخم، وهذا خروج جارح للمشروعية في دولة القانون.
وقد أنشيء جهاز الأمن المركزي في نهاية السبعينات من القرن العشرين بناء علي مذكرة رفعها النبوي اسماعيل وزير الداخلية في ذلك الوقت ، وتحديداً بعد اشتعال ما سمي بانتفاضة الجياع (يناير 1977)، حيث نزل الجيش إلى الشارع - للمرة الأولى منذ ثورة 1952 - للسيطرة على زمام الأمور.
ومن هنا فإن تحرك الجيش للقيام بمهمات شرطية في الشارع لمواجهة الإضرابات خارج عن اختصاصه يعتبر عملا غير دستوري ما لم تعلن حالة الضرورة أو حالة الطوارئ.
وببينما يتخرج رجل الشرطة المتطوع من معاهد خاصة يتلقي فيها تدريبا علي مهامه و تلقينه حقوق المواطنين ، يتكون أفراد المجندين بالجيش و المحالين للشرطة و الأمن المركزي من المجندين (بعد 6 أشهر من التدريب) من التجنيد الإجباري للقوات المسلحة، وأولئك يعينون بالكامل وعن قصد من المجندين الأدنى تعليما، و الاميين حتي يكونون اكثر انصياعا لأكثر اوامر القمع شدة.
وبدون اي قانون تتولى إدارة قوات الأمن المركزي بوزارة الداخلية الإدارة العامة لرئاسة قوات الأمن المركزي،و الأدارة العامة للعمليات الخاصة وتتبعها مناطق في مختلف أنحاء الجمهورية يرأسها لواء مساعد وزير للدخلية و يساعدة عدة من مديري الأدارات و الوكلاء.
ومن اللازم ان يشار هنا الي أن وقائع التمرد التي قامت بها قوات الأمن المركزي، ففي فبراير 1986 عندما تمردت فرق متعددة من قوات الأمن احتجاجا عن مد الخدمة للمجندين واستمرت حالة الانفلات الأمني لمدة أسبوع أعلن فيها حظر التجوال وانتشر فيها الجيش في العاصمة وتمكنت قواته من ردع التمرد وقامت طائرات الهليكوبتر بضرب معسكرات الأمن المركزي بالجيزة بالصواريخ وسقط ستون قتيلا وفقا للبيانات الرسمية وأحيل 1236 جندياً و 31 مدنياً إلى محاكم أمن الدولة المشكلة وفقا لقانون الطوارئ.
وفي ديسمبر 2009 اعتقلت أجهزة وزارة الداخلية مجموعة من ضباط الأمن المركزي وأحالت 250 منهم إلى الاحتياط وذلك بعد تزعمهم تمرداً بمعسكر ناصر للأمن المركزي بمنطقة الدراسة، حيث رفض الضباط تنفيذ أوامر القيادة العليا بالتوجه إلى رفح.
وفي الشهر ذاته احتو ت وزارة الداخلية ثورة 6 آلاف مجند وعسكري ضد رؤسائهم في معسكر التشكيلات لقوات أمن القاهرة، وقد أرجعت تحقيقات النيابة العسكرية ثورة الجنود إلى قسوة الضباط معهم.
ضعف التدريب المهني للضباط والجنود
لا نود ان نخوض تفصيلا لمناهج و طرق التدريب المهني ولكنا نشير الي انه سبب جوهري في أمرين:
الأول: هو اهدر حق الانسان المبوض عليه وعدم الوعي بهذه الحقوق و النظرة السلطوية الفوقية التي يعامل بها المتهمون.
الثاني: هو ضعف قدرات و امكانيات رجال الشرطة في اصول علم التحريات وكشف الجرائم و من هنا فان الطريقة الممنهجة هي ضرب و تعذيب المقبوض عليه ليقر صدقا أو خوفا بارتكاب الجريمة قبل تقديمه للنيابة و القضاء.
ولعلنا نخرج من ذلك كله بالدعوة و الأمل بان تتم شرعنة الشرطة وانهاء عسكرتها و الغاء الحاق مجندي الجيش بها و تطبق نظام التطوع و التخرج من معاهد التدريب لافراد الشرطة اسوة بالضباط و ان يتم توعية الجميع بحقوق الانسان ولعلنا نعود للنظام الذي كان متبعا بالحاق و امتحان طلاب اكاديمية الشرطة بكليات الحقوق.