كتاب عربي 21

تثبيت الأسعار المصرية .. ووعود لم تتحقق

1300x600
قال رأس النظام المصري، الخميس الماضي، وبعد أيام من خفض قيمة الجنيه بنسبة 14 % أمام الدولار، إنه لن تكون هناك زيادة في أسعار المواد الغذائية، رغم ارتفاع سعر الدولار.

 وطلب من الجيش زيادة منافذ التوزيع الثابتة والمتحركة، لتوفير الزيت، والسكر، والأرز، واللحوم، والدواجن، والمواد الغذائية الأساسية، بأسعار تتناسب مع محدودي الدخل مهما ارتفع سعر الدولار.
 
ويظل السؤال هل يمكن تحقيق ذلك؟ وتتطلب الإجابة التعرف على واقع الإنتاج المحلي من السلع الغذائية، والذي يشير إلى نسبة متدنية من الاكتفاء الذاتي بغالبية السلع الغذائية، والتي تشمل زيت الطعام، والفول، والعدس، والقمح، والذرة، واللحوم، والأسماك، والدواجن، والسكر الخام، ومنتجات الألبان.

وهو ما يعني أن النسبة الأكبر من الاستهلاك الغذائي للمصريين تأتي من خلال الاستيراد، وعندما تنخفض قيمة الجنيه المصري أمام الدولار بتلك النسبة الكبيرة، فإن ذلك يعني زيادة تكلفة استيراد تلك السلع على الأقل بالنسبة نفسها، حيث يضاف إلى ذلك الجمارك وتكلفة النقل، وهوامش الربح خلال عمليات الوساطة المتعددة. 

ويقول بعض أنصار النظام الحاكم، إن سعر الصرف زاد منذ بضعة أشهر بالسوق السوداء، والذي قام المستوردون بتدبير قيمة صفقاتهم منه، بما يعني أنه تم الاستيراد بالقيمة المرتفعة لسعر الصرف، وأنه إذا كان البنك المركزي قد خفض الجنيه المصري إلى قرب مستواه بالسوق السوداء، فهذا يعني أن فرص ارتفاع أسعار السلع ليست كبيرة.

ويتناسى هؤلاء أن ما يذكرونه خاص بسلع أخرى، غير السلع التي ظلت تعليمات البنك المركزي بتوفير التمويل لها بالسعر الرسمي حتى الثالث عشر من آذار/ مارس الحالي، وهي اللحوم والدواجن بجميع أنواعها، والمواد الغذائية (قمح – زيوت – حبوب) والأعلاف (الذرة والصويا وباقي المستلزمات) ، والسكر بجميع أنواعه، والأسمدة، والمبيدات، والأدوية، والأمصال والمواد الكيماوية الخاصة بها، وألبان الأطفال. 

وهكذا ستتضرر كل تلك السلع السابقة من الزيادة التي ستدفعها للحصول على الدولار بالسعر الرسمي الجديد، وهو ما سيدفعه المستهلك في النهاية. 

وربما يرى البعض أن لدى الجيش قدرا من الإنتاج الغذائي الذي يمكن أن يقلل من الاستيراد، لكن بعض الأرقام الرسمية المنشورة لمجمل إنتاج الجيش لبعض السلع، تشير إلى بلوغها بالنسبة لبيض المائدة 30 مليون بيضة سنويا، و156 ألف طن من زيت الزيتون سنويا، ومائة طن من صلصة الطماطم سنويا، وفي القمح يتم إنتاج 78 ألف طن، و110 أطنان من الجبن المطبوخ. 

وهكذا، يتبين أن الإنتاج المحلي لشركات الجيش من بعض السلع لا يكفي بالمرة لاستهلاك بلد يسكنه أكثر من 90 مليون نسمة، ليظل الاستيراد هو الملاذ، وهنا، ومع زيادة التكلفة للاستيراد قد يتم اللجوء لوزارة المالية لزيادة مخصص الدعم الغذائي، لكن الموازنة محملة بقدر كبير من العجز. 

وفي حالة إجبار وزارة المالية على زيادة مخصصات الدعم السلعي، فسيكون قاصرا على عدد قليل من السلع التموينية، مع الأخذ في الاعتبار الضغوط من المؤسسات الدولية لخفض الدعم، كشرط للحصول على قرض البنك الدولي أو التأهل للحصول على قرض من صندوق النقد الدولي. 

وقد يتم تدبير مبلغ لامتصاص الفرق بين سعر التكلفة الذي ارتفع بعد انخفاض سعر صرف الجنيه وسعر البيع، إلا أن ذلك لا يمكن أن يستمر لفترة طويلة.

وهناك أيضا قدر محدود من الإنتاج الغذائي لوزارة الزراعة يتم بيعه من خلال منافذ خاصة بها، إلا أن عدد تلك المنافذ البالغ 110 منافذ على مستوى الجمهورية، وعشر سيارات متنقلة، يشير إلى محدودية تلك السلع.

وإذا كانت وزارة التموين لديها عدد من الشركات الغذائية في مجال الزيوت، والمطاحن، والسكر، والأرز، والأغذية المحفوظة، فإن إنتاجها لا يكفي السوق المحلية من تلك السلع، ففي مجال الزيوت، على سبيل المثال، يتم استيراد 85% من الكميات المستهلكة، ولهذا تقوم بالاستيراد للسلع التي تبيعها للجمهور.

ورغم وجود 2165 جمعية استهلاكية تابعة لقطاع التعاون الاستهلاكي، إلا أنه ليس لديها نشاط إنتاجي، وبالتالي تشكل السلع المستوردة من خلال جهات أخرى المكون الرئيسي فيما تبيعه. 

وهكذا، نتوقع أن يلحق تصريح الوعد بثبات أسعار السلع الغذائية، رغم ارتفاع الدولار، بوعد سابق تم في بداية تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي بخفض أسعار السلع بنهاية الشهر، ثم مد الوعد إلى نهاية شهر كانون الأول/ ديسمبر، وهو ما لم يحدث بالمرة، بل زادت أسعار السلع، كما يذكرنا ذلك بما حدث عقب حادث سقوط الطائرة الروسية، بالوعد بألا تنطفئ لمبة في شرم الشيخ، بينما أغلقت عشرات الفنادق هناك أبوابها.