نشرت صحيفة نوفال أوبسرفاتور الفرنسية تقريرا حول القرار الروسي المفاجئ بالانسحاب الجزئي من
سوريا، تناولت فيه النتائج المنتظرة لهذا القرار، وتأثيره على الأوضاع الميدانية ومفاوضات السلام في جنيف.
وقالت الصحيفة، في تقريرها الذي ترجمته "عربي21"، إن الرئيس الروسي فلاديمير
بوتين يعتبر أنه أنجز ما كان يصبو إليه في سوريا، ولذلك فاجأ المجتمع الدولي وكل البلدان المنخرطة في الصراع السوري، بإعلانه مساء يوم الاثنين عن سحب جزء من قواته المتمركزة في سوريا، التي تقاتل إلى جانب قوات بشار الأسد منذ نحو ستة أشهر. وقد تأكد هذا الإعلان فعليا بعد بدء عمليات إعادة العتاد العسكري والجنود الروس إلى بلادهم يوم الثلاثاء.
وقالت الصحيفة إن القوات الروسية المتمركزة في طرطوس واللاذقية لم تكن طبعا تنوي البقاء في سوريا إلى الأبد، وكان بوتين قد أكد في عدة مناسبات على أن العمليات التي يقوم بها في سوريا تكتيكية ومحدودة زمنيا، ولكن رغم كل هذه الإشارات، فإن إعلانه شكّل مفاجئة بالنسبة لأغلب المراقبين، رغم أنه لقي ترحيبا واسعا من قبل الأطراف المنخرطة في الصراع السوري، فيما اعتبره مجلس الأمن الدولي "خطوة إيجابية".
وفي المقابل، اعتبرت الصحيفة أن هذا القرار يطرح عدة تساؤلات، أولها حول السبب الحقيقي لهذا الانسحاب، وفي هذا السياق يأتي تصريح السفير الروسي في الأمم المتحدة، فيتالي تشوركين، الذي أعلن أن القرار الروسي كان بهدف دفع المحادثات السورية للتوصل لحل سياسي للصراع، بعد أن قامت هذه القوات بدعم بشار الأسد حتى يستعيد توازنه.
ولكن الصحيفة اعتبرت أن قرار بوتين يخفي وراءه خوفه من أن يتورط أكثر في المستنقع السوري، في ظل تقارير تفيد بتزايد وقوع قتلى في الجيش الروسي، كما أنه أراد أيضا أن يظهر أنه يقوم بدور إيجابي، في حال أسفرت محادثات جنيف عن نتائج إيجابية.
كما طرحت الصحيفة تساؤلا حول مدى جدية قرار الانسحاب، حيث إن الغرب والمعارضة السورية رحبا بهذا الإعلان، ولكن بشكل حذر؛ لأنه أولا لا يمثل انسحابا كليا من الأراضي السورية، ذلك أن موسكو ستحافظ على قواعد للطائرات، وستواصل مراقبة الهدنة التي دخلت حيز التنفيذ من 27 شباط/ فبراير الماضي.
كما أن موسكو لم تحدد أنواع الطائرات التي ستقوم بمهام المراقبة، ولم توضح ما إذا كانت الطائرات المقاتلة أيضا ستبقى متمركزة في قواعدها الجوية في سوريا، والانسحاب الروسي لن يعني طبعا إغلاق القواعد العسكرية التي كانت تتمركز بها قواتها على الأراضي السورية.
وتساءلت الصحيفة أيضا عن تأثير هذا القرار على الأوضاع الميدانية، خاصة أنه منذ أيلول/ سبتمبر الماضي استهدفت أكثر من 50 طائرة مقاتلة روسية آلاف المواقع على الأراضي السورية، والهدف المعلن كان محاربة الإرهاب، إلا أن
روسيا كانت تهدف في الواقع إلى حماية نظام بشار الأسد عبر استراتيجية المحافظة على "المناطق المفيدة"، بمعنى الاكتفاء بالدفاع عن الخط الرابط بين الجنوب والشمال من دمشق إلى حلب، الذي يتضمن حمص وحماة وإدلب والمناطق المطلة على البحر الأبيض المتوسط. وقد اتهمت الدول الغربية روسيا بأنها تسعى لاستهداف مواقع المعارضة المعتدلة وليس مواقع تنظيم الدولة، وهو ما أكدته التقارير الميدانية.
وأضافت الصحيفة أن هذا الدور الروسي مكّن بشار الأسد من استعادة قوته وتحقيق بعض التقدم، بعد أن كان في الصيف الماضي يتهاوى، ولذلك تعتبر موسكو أن مهمتها قد تحققت. ولكن في حال توقف العمليات الروسية بشكل حقيقي، فإن المعارضة قد تكون قادرة على استعادة أسبقيتها وتوجيه ضربات للنظام السوري من جديد.
وأثارت الصحيفة تساؤلا آخر حول تأثير الإعلان الروسي على محادثات جنيف، حيث إن إعلان بوتين الانسحاب الجزئي لقواته من سوريا يأتي بالتزامن مع انطلاق جولة جديدة من المفاوضات حول مستقبل البلاد، وهو ما فسره بعض المراقبين بأنه إشارة تهدئة ورغبة روسية في إحراز تقدم على المستوى الدبلوماسي.
ورأت الصحيفة في هذا السياق أنه منذ اليوم الأول لجولة المفاوضات الجديدة بين ممثلي النظام السوري وممثلي فصائل المعارضة، تبين مجددا أن مصير بشار الأسد لا يزال يمثل نقطة الخلاف الأبرز التي تهدد بإجهاض مسار السلام، ولكن في كل الأحوال فإن بوتين أظهر أنه لا يزال قادرا على التأثير بعدة أشكال على الملف السوري.