نشر موقع "ميدل إيست آي" في لندن تقريرا للصحافية ماري أتكنسون، قالت فيه إن الحكومة البريطانية استضافت معرضا دوليا أمنيا، يحضره المدعوون فقط، لمساعدة شركات
الأسلحة للاستفادة من عسكرة الحدود الأوروبية، بحسب الخبراء، حيث يحاول الاتحاد الأوروبي السيطرة على مئات آلاف المهاجرين الفارين من الحرب في
الشرق الأوسط.
ويشير التقرير إلى أن
المعرض، الذي أقيم بالقرب من فانبرة، وحمل عنوان "سيكيوريتي أند بوليسنغ 2016"، وبدأ يوم الاثنين واستمر لثلاثة أيام، حضرته أكثر من 350 شركة، بينها شركات تصنيع الأسلحة "بي آي إي" و"إيربص" و"هيكلر أند كوتش"، التي عرضت منتوجاتها لحكومات الاتحاد الأوروبي والحكومات الأجنبية.
وينقل الموقع عن باحثين قولهم إن المعرض يعكس اهتمام الحكومة البريطانية بتحقيق أرباح، وترسيخ سياسة العسكرة، أكثر من حماية حقوق الإنسان ومواجهة قضية إنسانية أساسا، وهي أزمة اللاجئين، التي تواجهها أوروبا، وتعد الأخطر منذ الحرب العالمية الثانية.
وتورد الكاتبة أنه بحسب موقع المعرض، فإنه يعد حدثا "متميزا"؛ بسبب تدخل الحكومة البريطانية مباشرة، ولأنه يوفر مستوى عاليا من "التفاعل الصناعي" للشركات التي تسوق أجهزة "يمكن أن يكون عرضها في بيئة منفتحة أكثر أمرا حساسا جدا"، مشيرة إلى أنه يتم التدقيق على الحضور، ما يعني أن هناك "نوعية زوار عالية"، وهناك تقارير تفيد بأن المبيعات زادت بالنسبة لـ 83% من الشركات المشاركة في المعرض.
ويفيد التقرير بأنه قد عرض في معارض شبيهة سابقة كل شيء، من بنادق القنص ذات القوة العالية، إلى أقماع المرور، كما احتوى المعرض على مساحات تتعامل مع ضبط الحدود والأمن الإلكتروني وخفارة السواحل.
ويورد الموقع نقلا عن مارتن لمبرغ- بدرسن، وهو باحث في الهجرة في جامعة كوبنهاغن، قوله إن الحكومة الأوروبية "تمول صناعتها العسكرية" بتنظيم مثل هذه المعارض التجارية، وفي الوقت ذاته فإنها تروج لسياسات قائمة على ردود الفعل للتعامل مع أزمة اللاجئين.
ويضيف لمبرغ- بدرسن: "إن الشركات العسكرية التقليدية بدأت تدخل مجال البنى التحتية التكنولوجية لأمن الحدود، بينما تقوم شركات الأمن بمحاولة الحصول على عقود تطبيق القواعد الأمنية على الحدود".
ويتابع قائلا: "إن هذا يطابق مسار ضبط الحدود الأوروبية، الذي شاهدناه على مدى الـ 15 سنة الماضية، حيث كان هناك تركيز قوي على حماية الحدود الخارجية والنقاط الساخنة الداخلية، مثل كالي، بالإضافة إلى أنه يغذي الرغبة في تسويق المنتوجات العسكرية".
وتذكر أتكنسون أن الحضور كان لشركات الأسلحة المتعددة الجنسيات الضخمة، التي تنتج الأسلحة لبيعها لبلدان في الشرق الأوسط تشتري أكثر من 60% من الأسلحة التي يتم إنتاجها في
بريطانيا، بحسب حملة مناهضة الاتجار بالأسلحة "كات".
وينقل التقرير، الذي ترجمته "
عربي21"، عن المتحدث باسم "كات" أندرو سميث، قوله: "عقدت حكومة المملكة المتحدة عام 2015 لقاء مع 39 بلدا حضرت المعرض، مع تركيز واضح على الشرق الأوسط"، ويضيف سميث أن "كثيرا من الشركات الحاضرة تستفيد بشكل مباشر من عنف الحكومات وقمعها، وباستمرارها في دعم الديكتاتوريين والمنتهكين لحقوق الإنسان، فإن الحكومة البريطانية تعمل على تأييد هذا القمع وتسهيله".
وردا على تساؤلات "ميدل إيست آي" حول سبب إقامة المعرض، قالت وزارة الداخلية: "إن صناعة أمنية مزدهرة أمر ضروري للمساعدة في التقليل من الجرائم وحماية الجمهور، والأمن القومي هو أعلى أولوية بالنسبة للحكومة".
وتستدرك الكاتبة بأنه بسبب تراجع المبيعات لأوروبا بنسبة 40% على مدى الأربع سنوات الماضية، بحسب تقرير من المعهد الدولي لأبحاث السلام في ستوكهولم، فإن المحللين يقولون إن هذه الشركات أصبحت تركز في مبيعاتها لأوروبا على سوق "أمن الحدود"، الذي يقدر بأن قيمته السنوية ستصل إلى 56.6 مليار دولار في العام مع حلول عام 2020، بحسب دراسة قامت بها شركة "فروست وسوليفان" عام 2014.
ويلفت التقرير إلى أنه من بين المنتوجات المعروضة في المعرض، الذي أقيم على مدى الثلاثة عقود الماضية، مكبرات صوت بإمكانها تعطيل الهدف عن بعد 20 مترا، وكذلك أنظمة قياس حيوية تساعد مسؤولي اللجوء على مراقبة مقدمي اللجوء في مراكز الاحتجاز.
وبحسب الموقع، فإن من بين الشركات التي حضرت المعرض هذا العام، شركات أمنية متخصصة في تقوية تكنولوجيا الحدود الملموسة، بالإضافة إلى شركات الأسلحة التي تحاول التمدد في سوق أمن الحدود، لافتا إلى أن إحدى الشركات التي حضرت معرض هذا العام، هي شركة "بي آي إي سيستمز"، المتورطة في الصفقة الجدلية للطائرات المقاتلة مع السعودية، التي تعد سوقا رئيسا لأسلحة المملكة المتحدة، حيث هناك دعوة من الاتحاد لمنع تصدير الأسلحة لها؛ بسبب غاراتها في اليمن.
وتنوه أتكنسون إلى أن شركة "بي آي إي سيستمز" تقوم بتصنيع طائرة "هيرتي" دون طيار، ونسختها المسلحة "فيوري"، التي تستخدم بكثافة فوق أفغانستان، وتسوق على أنها طائرة لميادين القتال وحراسة الحدود.
ويذكر التقرير أن شركة "إيربص"، التي كسبت عقودا لتأمين حدود السعودية عام 2009، وحدود رومانيا عام 2004، هي من ضمن المشاركين في المعرض، مشيرا إلى أنه تم اقتحام مكاتب الشركة في ميونيخ العام الماضي من السلطات؛ بتهم الفساد والرشى في الحصول على العقود، وكذلك التهرب من دفع الضرائب، ولا يزال التحقيق في القضية جاريا.
ويكشف الموقع عن أن "إيربص" تؤدي دورا رئيسا في مجموعة ضغط في الاتحاد الأوروبي، تنصح الحكومات حول كيفية تحسين أمن الحدود، وهي "المنطمة الأوروبية للأمن"، التي مقرها بروكسل، وفيها 38 عضوا يمثلون الشركات الأمنية في الاتحاد الأوروبي.
وتقول الكاتبة إن هذه الشركات هي من بين حوالي 354 شركة تأمل في بيع أجهزتها الأمنية لبلدان، منها النمسا وبلغاريا وبولندا، وقد أرسلت هذه البلدان ممثلين عنها إلى المعرض، وهي في حالة خلاف مع بروكسل؛ بسبب محاولاتها إغلاق حدودها أمام آخر تدفق لطالبي اللجوء.
ويقول لمبرغ بدرسن للموقع إن تمويل الاتحاد الأوروبي لأجهزة حماية الحدود وشراءه لها نابع من عقود من التركيز على سياسة عسكرة الحدود، بدلا من توفير طرق آمنة لتقديم طلبات اللجوء، ويضيف: "التركيز على الضبط والمراقبة طغى على تطوير سياسات الاستيعاب المستدامة، وكان اقتراح المفوضية الأوروبية عام 2015، المتمثل بنقل اللاجئين وإعادة توطينهم من خلال نظام الحصص، متأخرا وضئيلا، وجاء بعد 20 عاما من الإهمال، حيث اتفقت الحكومات والشركات الأمنية والعسكرية على تعزيز أمن الحدود الخارجية".
ويتابع لمبرغ بدرسن بأن النتيجة هي كما نرى الحدود الخارجية للاتحاد الأوروبي، والقرار غير المسبوق الشهر الماضي بنشر قوات الناتو في البحر بين تركيا واليونان.
ويرى لمبرغ بدرسن أن ما يحدث على الحدود الخارجية بدأت آثاره بالظهور في المناطق الساخنة، مثل مخيم كالي، الذي بدأ عام 1999، حيث احتوى على مجموعات لاجئين فارة من حروب البلقان، على أمل عبور النفق إلى المملكة المتحدة، ووصل عدد القاطنين فيه إلى حوالي 3 آلاف شخص، وقامت الشرطة الفرنسية الشهر الماضي بهدم الخيم والأكواخ، واستخدمت الغاز المسيل للدموع ومدافع المياه، بحسب الموقع.
ويختم "ميدل إيست آي" تقريره بالإشارة إلى قول لمبرغ بدرسن: "إن وضع الحدود في (كالي) الآن هو بسبب قرار بتشديد ضبط الحدود، عن طريق استئجار شركات أمن خاصة بدلا من الحديث عن كيفية تحقيق نظام استقبال مستدام"، محذرا من أن هذه الشركات ليست خاضعة للمساءلة من الأمم المتحدة، كما هي الدول التي وقعت على اتفاقياتها.