كتاب عربي 21

صوت المرأة ثورة.. صوت المرأة عورة!

1300x600
داخل بيتها يدور حديث عن علاقة الرجل بالمرأة في المجتمعات العربية بين ريم، الثورية المتمردة، وحسام، الصحفي المعروف بتعدد علاقاته النسائية، وفي الخلفية نسمع أغنية لأم كلثوم.

حسام: إحنا مش متخلفين ولا حاجة. إحنا ناس لينا عاداتنا وتقاليدنا.

ريم: يا سلام يا حسام، هو يعني من عاداتنا وتقاليدنا لما واحدة تعزم واحد في بيتها يحاول يغتصبها؟

حسام: لأ، هو مش كده أوي. يعني ما اجتمع رجل وامرأة إلا وكان ثالثهما الشيطان.

ريم: الشيطان هنا في مخنا ايلي عششت فيه الأفكار المتخلفة.

أم كلثوم: أعطني حريتي أطلق يدي... 

ريم: الله الله يا ثومه الله. تعرف يا حسام كلما اسمع البيت ده أحس أن ثومه بتصرخ بأعلى حسها بالنيابة عن كل ست شرقية علشان تاخد حريتها.

حسام: أكثر من كده حرية. تبقى مصيبة لو كل الستات فكروا زيك بالشكل ده.

ريم: طب وليه لأ؟

حسام: يعني الواحد ياخذها من قصرها ويعمل عملية ويتقلب ست أحسن.

والمشهد من فيلم "امرأة واحدة لا تكفي" المنتج في العام 1990 للمخرجة إيناس الدغيدي.

تدعي الجمعيات النسائية التي تتناسل كالفطر في البلدان العربية، في حالة تفرد واضحة تستنسخ ما هو قائم خارجها، أن الفكر الذكوري المسيطر على البلدان تلك هو السبب الرئيس في ما تعتقد أنه وضع سيئ تعيشه، وترفع شعار التمرد على الفكر الذكوري سبيلا للانعتاق من ربقة القهر والدونية المميزين لأحوال النساء العربيات. وفي مواجهة الوضع المتردي العام تشهر هؤلاء المدافعات عن حقوق النساء ورقة نصف المجتمع المغيب والمقهور الذي لا سبيل إلى التقدم إلا بإشراكه في تدبير الشؤون العامة وأيضا في إطلاق حريته في التصرف جسدا وفكرا. المظلومية التي تفوقت المرأة في تبنيها منهاجا للتأكيد على أن حقوقها مهضومة من الرجل آتت أكلها ولا تزال في كثير من مناطق جغرافيا التخلف والوطن العربي في قلبه دون شك. لأجل ذلك رأينا ولا نزال اللعب على وتر إدماج المرأة وتخصيصها بالتمييز "الإيجابي" الذي يعني في النهاية تخصيصها بريع سياسي واقتصادي واجتماعي. فللمرأة برامجها التلفزيونية ومجلاتها بل قنوات كاملة في الأرض كما في الفضاء. ولها أيضا حقها في التعيينات في المناصب العامة تطبيقا لمبدأ أسمينه السعي لتحقيق المناصفة وجعلنه قانونا غير رسمي. وفي مجال الانتخابات صار لهن "كوطا" نسائية في عدد من البرلمانات والمؤسسات التشريعية يحصلن بموجبها على عدد محدد من المقاعد دون احتكام إلى الإرادة الشعبية كما تفرزه  صناديق الاقتراع. ولأن الشهية مفتوحة فقد استصدرن قوانين ضد التحرش وضد العنف الأسري في مواجهة رجال/ وحوش.... وهلم "امتيازات".

تدخل فرح، مسؤولة المخابرات في النظام النسائي، على صابر اللحام داخل زنزانة التوقيف وبيدها آلة حلاقة فتبدأ في حلاقة ذقنه وبعدها الشارب.

صابر: لأ لأ، الشوارب لأ، الشوارب لأ..

قمر: لا تكون مصدق الحكي الفاضي ع الذقن، وأنه مين مربي ذقنه يكون إرهابي.لا حبيبي لا. إحنا بنتحجج بالذقن لنوصل للشوارب. بدنا نحلقلكم شواربكم وع الناعم كمان (وهي تواصل الحلاقة). بعدين هيك أنعم. أنا بحب الشاب هيك. اتركوه واطلعوا برا (توجه كلامها للسجانات وتنهي عملية حلاقة الذقن) بين وجهك يا حلو. بعرف أنك طالع من الحبس منتوف وحالتك حالة. إذا عزت شي احكي لي وأنا بظبطك يا.. قمر. صار فيك تفل وانتبه ترجع تربي ذقنك مرة ثانية أحسن ما نثبت عليك التهمة.

صابر: الذقن ولا الشوارب؟

قمر: ما قلنا لك إحنا بنتحجج بالذقن لنوصل للشوارب وإذا ما في ذقن فيه ألف طريقة توصلنا للشوارب.

صابر لحام دخل السجن لثلاث سنوات بتهمة محاولة الاعتداء على فتاة تسببت له في حادثة سير. بعد انقضاء السنوات الثلاث خرج صابر ليجد أن النساء صرن المسيطرات على مفاصل الدولة والمجتمع في حين صار الرجال مجرد توابع يعانون من القهر والاستبداد النسائي لدرجة أنهم تحولوا إلى مجرد خدم ينظفون ويكنسون ويتحرش بهم ويخطبون للزواج ويضربون ويرقصون الباليه، في استعارة لانتقام النساء من عهد سابق حبسهن في هذه الأدوار، وهو ما دفعهم لتأسيس جمعية للدفاع عن حقوق الرجال، أملا في استعادة الحكم، صُنفت إرهابية. تلك نبذة مختصرة عن فكرة  الفيلم اللبناني "نسوان.. ليش لأ" للمخرج سام أندراوس، إنتاج  2014 ومنه الاقتباس أعلاه.

في الفيلم ما يؤكد أن الإشكالية لم تكن يوما في تولية الرجل أو المرأة بل في تغيير المناخ العام الذي يفتقد فيه الرجل قبل المرأة كرامته وحقوقه وتهدر فيه إنسانيته وآدميته. ففي البقعة المسماة وطنا عربيا تنتهك حقوق الرجال كما النساء على حد سواء. لكن المؤسسات الدولية، لحاجة في نفسها، كرست مبدأ "النوع" نهجا في الدفاع عن الحقوق فاقتصرت لديها في نون النسوة دونا عن سواه.

في المقهى، يجلس صابر ومعه الفتاة الفاتنة فرح التي تحرشت به في الحافلة وأوقعته في شباكها.

فرح: تعرف يا صابر، كنت أتمنى ترجع الأيام مثل ما كانت... ايه ايه ليش مستغرب؟ كنا قاعدين ببيوتنا متستتين وكل شيء بيجي عندنا أما هلا عم نركض ورغيف الخبز بيركض قدامنا.

صابر: عم تحكي جد فرح؟ تحبي أنه ترجع أيامنا؟ تحبي أنه ترجع أيام الرجال؟

فرح: طبعا عم بحكي جد.

ربما يكون هذا لسان حال كثير من النساء العاملات اللواتي ينتظر منهن المجتمع، بالإضافة إلى عملهن خارجا، تأدية نفس الواجبات البيتية، فتراهن يهرولن ذات اليمين وذات الشمال، والنتيجة مجرد أعباء إضافية على "الفاضي" تجعلهن في المنزلة بين الإناث والذكران، لكن فرح لم تكن غير عميلة للمخابرات النسائية هدفها الوصول إلى مقر اجتماعات جمعية حقوق الرجال وقياداتها.

 صحيح، إن كيدهن عظيم.

في المغرب أفرجت الحكومة قبل أيام عن قانون، ظل حبيس الأدراج لسنوات، يعاقب الرجل بموجبه خمس سنوات سجنا في حالة التحرش، ووزع سنينا عديدة وعقوبات مادية أخرى في حالات الاعتداء على النساء أو الإجبار على الزواج أو اختلاس أموالهن أو تبديد الزوج لأموال الأسرة أو التعبير الشائن أو المحقر على أساس التمييز بسبب الجنس. وفي المغرب دائما تواصل نساء الأحزاب بسط أيديهن على ثلاثين مقعدا بالبرلمان يشكلون تعداد لائحة وطنية كرست الريع الانتخابي وقننته برضا المحزبات ما دام الأمر يضمن لهن مقعدا برلمانيا دونما كثير عناء. والأصل كان النضال داخل المؤسسات الحزبية لفرض إدراج النساء في مواقع متقدمة في اللوائح الانتخابية "الحقيقية" بدل الاختباء في لوائح "الخوالف". وما الإقرار بلائحة وطنية دون قدرة على التأثير في القرار الحزبي الداخلي إلا إعلان إفلاس وكساد بضاعة لا يراها الآخرون إلا زينة للحياة أو عورة للستر يُتبرأ منها.

إلى داخل مكتب يجتمع فيه أعضاء لجنة الأطباء، يدخل أحمد وفوزي/فوزية وسميرة التي تحمل طفلا رضيعا.

الطبيب الرئيسي: (موجها كلامه إلى فوزي/فوزية)  أظن أنك عايزني أرجعك واحدة ست ثاني.

أحمد: لأ يا أفندم. أنا ايلي عاوز أتحول لست (يقف جميع الأطباء من أماكنهم ويغمى على الطبيب الرئيسي) أرجوكم مافيش داعي للغضب أو أي حد يغمى عليه ثاني. بالمنطق كل شيء بيتضح، صح؟ ده ابني، وده أمه قصدي كانت أمه وانتم ايلي حولتوها لراجل وهي سعيدة بكده، وده حقها. أنا شخصيا معنديش أي اعتراض. لكن الطفل كأي طفل محتاج لأم، وده برضه حقه واعتقد أنكم معندكمش  اعتراض. أنا بقه قررت أبقى أمه وهي موافقة. معندهاش أي اعتراض وأكثر من كده كمان هي حتتجوزني وسميرة مراتها حتبقى ضرتي. أرجوكم، افهموني ده مش وقت شعارات. أنا ورايا أهداف نبيلة، أهداف عظيمة، حياة طفل....

ويستمر المشهد السوريالي...

هذا ما كان يخشاه سامح في فيلم "امرأة واحدة لا تكفي"، وعبر عنه فيلم "هاتولي راجل" بطريقة أخرى من إخراج محمد شاكر خضير (2013). والفرق بين الواقع والخيال أبسط مما تتخيلون كما بينه فيلم "نسوان.. ليش لأ" الذي لم تكن أحداثه غير فقرات من برنامج من برامج تلفزيون الواقع لا الخيال. 

في الجانب الآخر من الصورة لا يزال هناك من يصر، غير آبه بما يحدث حوله، أن صوت المرأة  مجرد عورة.

سترك يا رب.