قضايا وآراء

من اختطف جماعة الإخوان؟!

1300x600
الحالة التي تعيشها جماعة الإخوان الآن، هي حالة اختطاف بامتياز، لا ينكر ذلك إلا مغيب عن الحقائق، أو صاحب مصلحة في هذا الاختطاف، ويريد شرعنته لمكاسب يبتغيها، لا تلتقي أبدا مع شعار: الله غايتنا، أو: هي لله، هي لله، الذي ترفعه الجماعة دوما.

أعرف أن هناك من سينكر هذه الحالة التي أصبحت حقيقة يشاهدها كل ذي عينين وعقل داخل الجماعة وخارجها، كنا من قبل نقول: إن الجماعة مختطفة فكريا، حيث إن فكر حسن البنا المنفتح انحسر بشكل قوي داخل الجماعة التي أسسها، ولكن بعد الثورة في مصر أصبح واضحا أن مجموعة قامت باختطاف الجماعة، وأقصت كل من كان له دور في إنجاح الثورة، لصالح مجموعة لم تكن تؤمن بالثورة أصلا، ولا بمخرجاتها، وانتكست بالجماعة في أدائها، وأصبحت طاردة لكل ذي موهبة أو أداء قوي، وصل إلى نقاش هذه الفئة فصل د. محمد البلتاجي، وقد أسر لنا بهذا في بيت الشيخ القرضاوي في القاهرة قبل انتخابات الرئاسة، بحضور الدكتور صلاح سلطان فك الله أسرهما، وما تم التخطيط له مع البلتاجي تم تنفيذه مع غيره.

ثم تحول الاختطاف قبل الانقلاب إلى محاصرة الدكتور محمد مرسي بمجموعة تمنع وصول أي صوت ثوري له، وهذا بشواهد وأدلة وحقائق لا يجرؤ أحد على إنكارها، عن طريق إحاطته بمن لا يصل بهم إلى قرار صائب، ولا فعل قوي، يحتاج ذلك إلى تفصيل أطول، لكني فقط أشير إليه هنا.

ثم جاء الانقلاب، وتجمعت كل قوى الثورة التي آمنت بأن ما حدث هو انقلاب، والتفوا حول الإخوان، وفجأة قفزت مجموعة المختطفين للجماعة ذاتها، بشكل آخر، ولون جديد، واختزلت كل الحراك في الإسلاميين، وكل الإسلاميين في الإخوان، وكل الإخوان في مجموعة أفراد، لم تجن طوال تاريخها إلا الفشل، وأسلمت الجماعة من فشل إلى فشل أكبر.

وكلما قامت الجماعة من كبوتها، وخطت خطوة نحو التصحيح، والعمل بمؤسسيه، تقوم هذه الفئة المختطفة للجماعة باستغلال مؤسسات التنظيم للالتفاف على هذه الإجراءات، إلى أن حدث ما حدث من نزاع أخير، وأزمة شهدها القاصي والداني، وبذلت محاولات لرأب هذا الصدع، وحل الأزمة التي ستودي بكيان الجماعة.

بداية أقرر موقفي أني أرى أن كلا الطرفين له أخطاء، سواء مكتب الأزمة، أو الرابطة والتنظيم الدولي ومن معهما، وأرى أن على الاثنين الرحيل، وقبل الرحيل المحاسبة، بكل مستويات المحاسبة، بداية من المحاسبة الإدارية، وانتهاء بالمحاسبة المالية.

لقد سعت جهات عدة لرأب الصدع، بعيدا عن تخطئة طرف، أو ذكر نسبة الأخطاء، بدأ بذلك مجموعة من البرلمانيين الإخوان، وقاموا بتقصي الحقائق، وأصدروا تقريرا، دون بيان من المخطئ، ومع ذلك رحب به طرف، وضرب به طرف عرض الحائط، ثم بناء على مناشدة من الصف الإخواني قام العلامة الشيخ القرضاوي ومعه مجموعة من العلماء، بجهد عرف به الجميع، نتج عنه بيان، بعد محاولة طرف إفشال هذا الجهد، ثم نتج عن ذلك أن ضرب به هذا الطرف عرض الحائط مرة أخرى.

ثم أخيرا قام تحالف دعم الشرعية، بجهد مماثل، وانتهى لما انتهت إليه المساعي السابقة، وأصدروا بيانا في ذلك كتبه الدكتور عطية عدلان، دعا فيه للتحكيم، وذكر أن طرفا رحب بذلك، ولكن الطرف المختطف للجماعة يصر على الرفض، بحجة اللوائح، وكأنه لا يزال في موقعه الشرعي، علما بأن مدة انتخابه وانتخاب الشورى ومكتب الإرشاد منتهية منذ عام، أي أن الحجج التي تساق حجج واهية، لا يراد بها إلا إتمام عملية الاختطاف أطول وقت ممكن، ومحاولة شرعنته. رغم أن لجنة التحالف قالت: فلتكن لجنة التحكيم من داخل الجماعة، وليس من خارجها، وذلك حتى لا يحتج من يرفض بأن هذا الإجراء هدم للمؤسسات.

محصلة هذه النتائج، أن هذا الطرف لا يحترم أحدا، ولا يقبل بوساطة أحد، فكيف يطلب هذا الطرف من الصف الثقة فيه، والاحترام له ولقراراته، بينما هو يضرب أسوأ نموذج لعدم الاحترام والتقدير، لكل من العلماء والمجاهدين والمفكرين، وحتى أنصاره في قضيته؟!!

أنا أقدر حيرة الكثير من شباب الإخوان وأفراد الجماعة، وأنهم يعيشون حالة من (اللخبطة)، بين كلام ينزل لهم في أسرهم، وعن طريق مسؤولين لهم لم يروا ولم يعاينوا الحقائق، وبين ما يقوم مثلي بكتابته؛ لذا فقد قررت كتابة شهادتي كاملة، بما رأيته بعيني وشهدته وشاركت فيه، منذ فض رابعة وحتى اليوم، ما يدل على اختطاف الجماعة، بالدلائل والحقائق، والأسماء والشخصيات والأحداث، ولكل من يخالفني في ذلك حق الرد، وليسمح لي جميع أطراف الأحداث في ذكر كل الأحداث بأسمائها وأدوارها.

والهدف من كتابتي هو عملية نقد ذاتي، ينتج عنه تصحيح الأخطاء، ودعم المؤسسية داخل جماعة عريقة، قدمت أروع نماذج التضحية والبذل في تاريخنا المعاصر، وحرام على فئة شاركت في ضياع ماضيها القريب أن نتركها تنسف حاضرها ومستقبلها، وما سأقوم به من كتابة هو استجابة لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الدين النصيحة، قلنا لمن؟ قال: لله ولرسوله، ولأئمة المسلمين وعامتهم". وعملا بقوله تعالى: (لعن الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داود وعيسى ابن مريم ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون. كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه لبئس ما كانوا يفعلون)، وأدعو إخواني ممن شهدوا هذه الأحداث أن يسجلوا ويدونوا شهادتهم للتاريخ، وإبراء للذمة. (إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت وما توفيقي إلا بالله، عليه توكلت وإليه أنيب).