قضايا وآراء

احمدوا ربنا إنكم عايشين!

1300x600
هذه الكلمات (احمدوا ربنا إنكم عايشين) قالها اللواء عاطف يعقوب، رئيس جهاز حماية المستهلك أحد الجنرالات الذين انتشروا في كل مؤسسات مصر وسيطروا على إدارتها واقتصادها، وقد جاء قوله هذا دفاعا عن القرار الجمهوري لعبد الفتاح السيسي رقم 25 لسنة 2016  الذي صدر في 26 يناير 2016 وتضمن زيادة فئات التعريفة الجمركية بنسب تتراوح بين 100- 150% لنحو 600 سلعة استهلاكية، لتتراوح نسبة الضريبة ما بين 20-40%  بعد أن كانت تتراوح ما بين 10-30%، باسم ما روج إعلاميا من تشجيع المنتج المحلي، وترشيد الواردات. ووقف استنزاف النقد الأجنبي.

وبالنظرة التحليلية الاقتصادية لهذا القرار نجد أنه يشمل مجموعة كبيرة من السلع الغذائية والأجهزة الكهربائية والأدوات المنزلية، والملابس الجاهزة والأقلام والأرضيات والأحذية والكريستال والبلاستيك.  ولاشك أن ضبط وترشيد الواردات سياسة اقتصادية مقبولة ومطلوبة، ولكن من المهم أيضا أن نحدد ما هي الواردات التي تحتاج لضبط وترشيد.
إن أولى البديهيات في ذلك النظر إلى مدى وجود بدائل محلية لتلك السلع المستوردة، تتناسب مع الأسعار العالمية في السعر والجودة، في عالم ظالم مفتوح تحكمه منظمة التجارة العالمية وقواعد اتفاقية الجات.

وقد غاب هذا الجانب عن متخذي القرار الذين اتخذوا من كبت الواردات والجباية، بعيدا عن العدالة منهجا ومسلكا دون النظر إلى مآلات هذا القرار. فلا أحد يختلف على استخدام تلك القرارات للسلع الاستفزازية كغذاء الكلاب والقطط ونحوها، في ظل شعب يأكل العديد من أفراده من القمامة ويعيش نصف سكانه تحت خط الفقر.

لقد بلغت الواردات المصرية في العام المالي 2014/2015 مبلغ 60.8 مليار دولار وتبلغ السلع الاستهلاكية من تلك الواردات نحو نسبة 23% أي بنحو 14 مليار دولار، وتنقسم تلك السلع الاستهلاكية إلى سلع معمرة، ويتمثل أهمها في التلفزيونات وأجزاؤها وشاشات الكمبيوتر وسيارات ركوب الأشخاص، وتبلغ السلع المعمرة نحو 28% من إجمالي السلع الاستهلاكية. أما النوع الثاني فهو السلع غير المعمرة ومن أهمها: المحضرات الغذائية المتنوعة والمنسوجات القطنية والأسماك والمنتجات الصيدلية والعدس والحيوانات الحية، وتبلغ السلع غير المعمرة نحو 72% من إجمالي السلع الاستهلاكية.

 وإذا أخذنا في الاعتبار ما صرح به مجدي عبد العزيز رئيس مصلحة الجمارك المصرية، بأن هذا القرار سيرفع الحصيلة الجمركية خلال النصف الثاني من السنة المالية 2015-2016 بنحو مليار جنيه (128 مليون دولار). ومع الأخذ في الاعتبار أيضا الضرائب الجمركية المقدرة بمبلغ 27.4 مليار جنيه في الموازنة العامة للدولة 2015/2016. فإن هذا يعني أن السلع التي تم زيادة الضريبة عليها، لا تتعدى سنويا 1.7% من إجمالي الواردات، و 7.3% من إجمالي الواردات للسلع الاستهلاكية.

وهذا يؤكد أن هذا القرار ما هو إلا أداة من أدوات الجباية، في ظل وجود المشكلة الرئيسية التي تعاني منها مصر، وهي مشكلة هيكلية تتعلق بعدم قدرة الإنتاج المصري على تلبية الحاجات، خاصة وأن هيكل الواردات يظهر أن استيراد الوقود والزيوت المعدنية ومنتجاتها، والمواد الخام، والسلع الوسيطة، والسلع الاستثمارية يمثل 77% من الواردات المصرية، وهو ما يعني أن أزمة الدولار لن تجد حلا في الوقت المنظور، وأن ما يحدث ما هو إلا تسكين للمشكلة ، في ظل انخفاض الموارد الدولارية من الصادرات والإيرادات السياحية، وتحويلات المصريين العاملين بالخارج، وإيرادات قناة السويس، فضلا عن المعونات الأجنبية. بل إن الصادرات المصرية صادرات تتسم بكونها كثيفة الواردات؛ أي تعتمد بصورة رئيسية على الواردات لإنتاج المنتجات اللازمة للتصدير، ومن ثم فإن هذا القرار لن يكون تأثيره ملحوظا في ترشيد الواردات أو ترشيد استخدام النقد الأجنبي، بل سيزيد من أعباء التضخم المستورد كنتيجة حتمية لارتفاع أسعار الدولار في ظل زيادة الطلب على الدولار في السوق الموازية، خاصة بعد صدور قرار البنك المركزي المصري برفع الحد الأقصى للإيداع النقدي بالعملات الأجنبية إلى 250 ألف دولار شهريا، بدلا من 50 ألفا ودون حد أقصى للإيداع اليومي بالنسبة للأشخاص الاعتبارية، فيما يتعلق بالسلع الغذائية الأساسية والتموينية والآلات ومعدات الإنتاج وقطع الغيار والسلع الوسيطة ومستلزمات الإنتاج والخامات والأدوية والأمصال والكيماويات الخاصة بها.

كما أن هذا القرار له تبعاته في علاقتنا الاقتصادية بالدول الأخرى من خلال المعاملة بالمثل، بل وتعرض مصر للدخول في منازعات تجارية مع الدول الأعضاء معها في منظمة التجارة العالمية، خاصة وأن هذا القرار سيضر بالدرجة الأولى بدولة مثل الصين التي وقعت معها مصر برنامجا تنفيذيا الشهر الماضي للتعاون، إضافة إلى ما سبقه من قرار وزير الصناعة المصري بتقييد استيراد نحو 50 سلعة إلا بعد تسجيل المصدر في الهيئة العامة للرقابة على الصادرات والواردات، وأن يكون للمصدر مصنع وعلامة تجارية مسجلة لضمان الجودة، مع السماح ببعثة مصرية للتفتيش على مصانعه، وحق وزير الصناعة في شطب أي شركة من الشركات المصدرة من سجل القيد بالتصدير لمصر بحسب رؤيته، وحقه كذلك في إعفاء أي شركة من الشروط أو كلها وفقا لما يراه. وكل هذا  يصب في صالح لوبي المحتكرين، وفي مقدمتهم شركات العسكر ورجال الأعمال الذين يدورون في فلكهم، الذين يريدون قتل المنافسة باسم حماية الصناعة الوطنية، ويفرضون على المواطن سلعا عالية السعر رديئة الجودة بحثا عن مصالحهم الشخصية.

 فأي حماية هذه في عالم اقتصادي مفتوح والتزام مصر باتفاقيات تجارية دولية؟! فهل استيقظ ضمير السيسي وحكومته مرة واحدة لينظر بعين الاعتبار إلى الصناعة الوطنية؟! وأين هذه الصناعة الوطنية والقطاع الخاص زاحمه العسكر بشركاته فأغلق الكثير من شركاته؟! بل أين حماية الصناعة الوطنية والسيسي الشهر الماضي يطالب بتوطين صناعة الغزل والنسيج الصينية في مصر، وفقا للبرنامج التنفيذي المعلن مع الصين؟!

إنه من أجل زيادة سنوية في الإيرادات تقدر بنحو 2 مليار جنيه، يتم تحميل الاقتصاد المصري أضعاف هذه الزيادة اقتصاديا واجتماعيا، نتيجة الارتفاع الحتمي للأسعار، ولن يكون ذلك خاصا بالسلع التي تم زيادة ضرائبها الجمركية فقط، بل سيمتد إلى بدائلها في السوق المحلي إن كان لها بدائل، فضلا عن انتقال عدوى غلاء الأسعار إلى غيرها من السلع الأخرى. وهذا الارتفاع يتحمل تبعاته المواطن المصري ويكتوي بناره، وهو ما يزيد من الفقر ويرفع من ضغط المظالم الاجتماعية. ثم يطلب منا بعد ذلك الجنرال رئيس جهاز حماية المستهلك أن نستسلم لهذه الانتهازية الاقتصادية  بقوله "نحمد الله إن إحنا عايشين، إنتوا مش شايفين حاولينا بيحصل إيه، خراب ودمار طول الوقت". ونسي سيادة الجنرال أو تناسى أنه هو ومن جاءوا به يشبعون ليجوع الناس، وهل هناك خراب ودمار أكثر من تدمير الإنسان الذي هو منهج وغاية النظام الانقلابي في مصر؟! ولماذا دائما يصيبكم الحول الاقتصادي وتنظرون لسوريا وليبيا؟! ألا توجد دول أمامكم تنعم بالأمان والاستقرار والازدهار الاقتصادي اسمها دول الاتحاد الأوروبي،  فضلا عن تركيا وماليزيا وكوريا الجنوبية واليابان والبرازيل وجنوب إفريقيا وغيرها، ما لكم كيف ما تحكمون؟!! ألا تستحون؟!!