مقالات مختارة

حذاء "رئيسة" تايوان وأحذية "تايوان" التي ننتعلها؟

1300x600
من الجرائم اللفظية، التي يرتكبها الجزائريون، عن غير قصد، وصفهم لكل شيء رديء بانتمائه لهذا "البلد"، الذي يحاول أن يجد له مكانا على تخوم سور الصين العظيم، والمسمى "تايوان"، بالرغم من عدم وجود علاقات أصلا بين "تايبيه" والجزائر، حتى عندما يريدون تصوير رداءة أداء مدير أو رئيس بلدية أو وزير يصفونه بأنه "تايوان"، إيمانا منهم بأن كل ما يأتي من هذا "البلد" فهو سيئ جدا، خاصة إذا كان لباسا أو حذاء على وجه التحديد.

وإذا سألت أي جزائري عن سبب انتعاله الكثير من الأحذية في فترة زمنية وجيزة جدا، يردّ بالتعبير الشعبي الذي تحوّل إلى دارجة جزائرية: "إنها تايوان"، بل إن غالبية الجزائريين بعد دخولهم عنوة عالم التقشف، صاروا يرون أنفسهم مطالبين بالعيش بكل ما هو قادم من "تايوان"؟.

فقد علّمتنا سنوات البحبوحة المالية أو اقتصاد الاستهلاك، تقييم منتوجات البلدان التي نستهلك جهد مواطنيها، ونعيش بسياسات خبرائها واقتصادييها، من دون أن نحاول أن نتواجد ضمن هاته الخارطة التجارية، التي جعلت الجزائري "ولا فخر" إنسانا فريدا من نوعه، يبنى جسده المكتنز باللحم والشحم من مأكولات القارات الخمس، ويلبس من نسيج كل بلاد العالم، وينتعل أحذيتهم ليقف أو يمشي أو يهرول نحو المجهول، فصار حكما في مباراة كرة، يلعب فيها منتخب، من كل الجنسيات، وهو يجهل بأن بطاقاته الصفراء والحمراء بلا لون، وحتى صافرته من دون صدى.

نعود إلى الشعب التايواني الذي يصرّ أن تكون له دولة، وترفض الصين ذلك بدعم من المجتمع المدني، لنذكر من لا يعلم بأن رئيسة هذا المجتمع الأصفر المسماة "تسان إنج ون" تنتعل حذاء لم تغيره منذ 16 سنة. وإذا كان البعض قد وصف "فخامتها" بالمتواضعة أو التي تطبق تقشفا خاصا، فإن المؤكد أن هذا الحذاء من صناعة تايوانية خالصة، صمدت برغم دلال من تلبسه، وقسوة فصول السنوات، ويختلف عن الذي يستورده لنا أصحاب الحاويات، من نوع حذاء الصباح الذي لا يُمسي، أو حذاء المساء الذي لا يُصبح، والأمر سيان مع بقية السلع التي تأتينا من بلاد شرق آسيا ومن بلاد أخرى، اكتشفنا متأخرين جدا، بأننا نستهلك أردأ ما هو موجود في هاته البلاد، وأحيانا نستهلك ما ينتجونه لنا فقط، على وزن ما يطلبه مستوردونا، وهو ما قل ثمنه وقلت أيضا جودته، وليت الأمر توقف عند الأحذية التي تنتعلها أقدامنا، بل وصل إلى ما هو مرتبط بمصير حياتنا، ومنها الأدوية والمساكن والمستشفيات.

فقدّمت بلاد شرق آسيا بلادهم وبلاد أخرى في الخليج وفي أوروبا في أحلى صورة، وبقينا نأخذ أسوأ ما هو موجود في هاته البلدان، في زمن بحبوحتنا المالية، ولا ندري ما سنأخذه منها الآن بعد أن بدأ الحزام يلامس العظم، ويقسم الجسد إلى نصفين، أسفله ينتهي بحذاء "تايوان" وأعلاه ينتهي بدماغ "تايوان"؟

عن صحيفة الشروق الجزائرية