سياسة عربية

هل تنهي الانتخابات القيادية المبكرة أزمة إخوان الأردن؟

رفعت الحكومة الغطاء القانوني عن إخوان الأردن ـ أرشيفية
لم تعد الخلافات الداخلية لجماعة الإخوان المسلمين الأردنية حبيسة أروقة الجماعة في منطقة العبدلي بالعاصمة الأردنية عمان؛ بعد أن طفت على السطح ليتخللها تراشق تصريحات بين أطراف الخلاف.

وتعكس الرسالة الأخيرة للمراقب العام لجماعة الإخوان المسلمين همام سعيد حجم الأزمة والخلافات، حيث دعا سعيد "الإخوة" إلى "التوقف عن جميع اللقاءات ولا سيما المتعلقة منها بإنشاء حزب سياسي أو تشكيل آخر خارج إطار الجماعة".

وتضمنت رسالة سعيد دعوة "لوقف التراشق بالتهم والخوض في أمور الجماعة التنظيمية في جميع شبكات التواصل الإجتماعي ووسائل الإعلام، وتعهدا بإجراء انتخابات مبكرة وعدم ترشحه لمنصب المراقب العام".

 وتعقيبا على المبادرات التي طرحت قال سعيد إن "هذه المبادرات لا تصل إلى نهايتها ولا تحقق نتائجها إلا إذا قامت على مبدأ الحوار والتفاهم والأخذ والعطاء دون أن يفرض أحد على أحد نظرته الأحادية، وإن الحكم على المبادرات بالفشل إذا لم تقبل كاملة غير منقوصة فهو حكم جائر، ومن العدل والإنصاف أن يقال: إنه لم تكن أية مبادرة من هذه المبادرات في موضع القبول الكامل ولا في موضع الرفض المطلق".

ورفض سعيد "إنشاء حزب آخر على الإطلاق"، معتبرا ذلك "مخالفا لأنظمة الجماعة ما لم يصدر في ذلك تشريع خاص".
 
 أين يكمن الخلاف؟

بدأت كرة الخلافات تتدحرج وتكبر بعد انشقاق قيادات من الجماعة على رأسها المراقب العام الأسبق عبد المجيد ذنيبات وتشكيل جماعة موازية تحت الاسم نفسه "برعاية رسمية" حسب رأي الجماعة، سبقها قبل ذلك إعلان مبادرة "زمزم" التي تملك رؤية للإصلاح مغايرة لرؤية الجماعة وأولوياتها، وشهدت المبادرة التي ترأسها القيادي في الجماعة رحيل الغرايبة مشاركة شخصيات حكومية لحفل إشهارها مما أذكى الخلافات داخل الجماعة.

 وفي خضم هذا الحراك داخل الجماعة برزت مجموعة الحكماء – المكونة من قيادات تاريخية للجماعة – طرحت مبادرة تحت اسم (مبادرة للشراكة والإنقاذ) تدعو " للإقرار بوجود أزمة حقيقية وكبيرة تتحملها أطراف عديدة في مقدمتها المكتب التنفيذي للجماعة الذي لم يتجاوب مع المبادرات السابقة ولم يستشرف مستقبل الجماعة".

ويرى المخالفون للقيادة الحالية أنها "لم تستطع إيجاد حلول لجملة من التحديات والتدخلات الحكومية، وترى أن القيادة الحالية انشغلت أكثر من اللازم مع الثانوي في المواجهة، وهي جمعية الجماعة وليس مع الرئيسي وهو النظام، وأخفقت في اجتراح حلول تتناسب مع طبيعة المشكلة".

و لوحت هذه القيادات بـ"إنشاء حزب جديد في حال عدم الوصول لتقارب وإجراء مراجعات جديدة داخل الجماعة".

وقال القيادي في الجماعة، وعضو مبادرة الشراكة والإنقاذ، سالم الفلاحات،  في تصريح لـ"عربي 21" إن "التفرد بالسلطة من قبل قيادة تعتمد على نصوص شرعية لتأخذ حقوق خليفة المسلمين المطلقة، وتجد هذه القيادة أن لها حق الخليفة من السمع والطاعة ولا تحتاج للمناقشة، مسألة خطيرة تزداد خطورتها في كيفية التعامل مع الأحداث".

بينما يرى رئيس القسم الإعلامي في الجماعة وعضو المكتب التنفيذي في حزب جبهة العمل الإسلامي مراد العضايلة أن المشكلة تكمن في أن جزءا "من الإخوة القياديين لم يسلموا بنتائج الصناديق وإفرازاتها في الحزب والجماعة، ويحاولون أن يضغطوا ويعدلوا في التشكيل القيادي من خلال التوافق الداخلي مقدمين التوافق على صناديق الانتخاب"، مؤكدا أن "الجماعة الآن تريد إيجاد معادلة متوازنة بين التوافق الداخلي واحترام الصناديق".

وحسب العضايلة، فإن الحوار "لا يزال مفتوحا والآفاق لم تغلق أبدا، وهناك حلول ضمن نطاق العمل المؤسسي الذي يحترم قوانين الجماعة ونظامها الداخلي".

 وحول ضرورة إجراء مراجعات جديدة لخطاب الجماعة، يقول العضايلة: "طريقة خطاب الجماعة تختلف وفق ظروف المرحلة، فهنالك مراجعة، حيث قدمنا لمجلس الشورى تعديلات جذرية على القانون الداخلي للجماعة، وهي تعديلات مهمة، لكن للأسف من يعطل هذه التعديلات هم الإخوة المخالفون لوجهة النظر، إذ تحتاج هذه التعديلات لموافقة ثلثي مجلس الشورى، ويستخدم الإخوة المخالفون التعديلات كورقة ضغط لتغيير في التشكيل القيادي".

 هل الجماعة في أزمة؟

تنقسم قيادات جماعة الإخوان المسلمين الأردنية أمام الخلافات الداخلية في الجماعة بين من يراها أزمة حقيقية تعصف بالجماعة من الداخل، وبين من يرى أنها اختلافات طبيعية في وجهات النظر ضمن مؤسسة يحكمها العمل الشوري.

يجيب العضايلة: "الإخوان المسلمون جماعة عريقة وطبيعي أن يكون فيها اختلاف في وجهات النظر داخل كوادرها وقياداتها، ودائما ما يحصل خلاف داخلي، والمؤسسات الشورية والقانون الأساسي هما ما يضبطان العلاقة بين أعضائها وبين مؤسساتها الضخمة، وفي كل مرحلة من مراحل الدعوة يحصل هناك حراك يخرج به قيادات، لكن الجماعة تبقى مؤسسة مستقرة بعد تجاوز هذه الأزمات؛ باعتبار أن الحاكم الأساسي للجمع الإخواني الكبير هو مؤسسة شورية وشرعية، كما أن القرار للمؤسسة القيادية التي تأتي بانتخاب شوري. إن جماعة الإخوان المسلمين فيها من الشورية ما لا يوجد في جماعة أخرى سواء رسمية أو غير رسمية، وطريقة اختيار القيادات والقواعد هي التي تصعد هذه القيادات".

من جهته يرى الفلاحات أن المشكلة أعمق من تغيير شخوص "فالمراجعات لا يقوى عليها الكثير من الإخوان، وبخاصة ممن هو بالقيادة، يعني أن فرص المراجعة تصبح قليلة لأنه منهمك بإدارة الموجود ويحاول أن ينجح بما بين يديه، نحن في 2015 بعد كل المستجدات بحاجة إلى مراجعة فكرية ربما تكون عميقة ولا يستوعبها الكثيرون ويعتبرون أن المراجعة كلما أصبحت دقيقة، كانت اعتداء على الجسم العام واعتداء على الكيان".

وحول الدعوة لإجراء انتخابات مبكرة في الحركة الإسلامية وسحب فتيل الأزمة يقول الفلاحات إن "الانتخابات المبكرة عندما تقرؤها تقول إنها في غاية الديموقراطية خصوصا عندما تصدر من شخص على رأس القيادة، لكن الحقيقة هي أن الانتخابات المبكرة في ظل الأزمات الحادة في الدولة الواحدة وفي التنظيم الواحد تعتبر آخر المعالجات التي يجب أن نفكر بها".

ويتابع الفلاحات: "أن تجري انتخابات في ظل أزمات فإن النتائج ستكون أسوأ، ومن هنا نرفض فكرة الانتخابات المبكرة ونقول أعطوا فرصة لجهة نتوافق عليها وهذه المرحلة لمدة سنة أو أكثر بمستجداتها الجديدة سواء بالخلاف الداخلي أو في العلاقة مع الحكومة أو الدولة، خصوصا أن الوضع القانوني للجماعة على شفا جرف ولم تعد تخاطب الجماعة بأنها جماعة الإخوان المسلمين مطلقا من الخطاب الرسمي، واقترحنا تشكيل القيادة بالتوافق لمدة مؤقتة لنعبر هذه الأزمة ولنقلل الخسائر".

 من يريد الخروج من الجماعة يريد أن يأخذها معه

الخبير في شؤون الجماعات الإسلامية حسن أبو هنية يرى أن المشكلة داخل الجماعة تتمثل "بخلافات عميقة على مستوى الهيكل التنظيمي ومستوى الوفاق على الرؤية الفكرية والآيدولوجية" مؤكدا أن الخلافات "تدحرجت بشكل كبير وواسع وأصبحت بالنهاية صراعا أخذ شكلا وطابعا شخصيا".

ويعتقد أبو هنية في تصريح لـ"عربي21"، أن "توجهات فكرية داخل جماعة الإخوان برزت مؤخرا لم تتماهى مع الطروحات التقليدية للجماعة في الأردن، بينما يرى نوع من الحرس القديم بأنه هو الأمين على الجماعة".

ويطرح الباحث أمثلة على تشكيل أحزاب جديدة من رحم جماعات إسلامية، مثل المغرب حيث خرج من رحم التوحيد والإصلاح حزب العدالة والتنمية، وكذلك في تركيا التي خرج فيها حزب العدالة والتنمية من رحم السعادة والرفاه".

 ويرى أبو هنية أن "المشكلة بجماعة الأردن تكمن بوجود تنازع على الجماعة"، مضيفا: "نشهد منذ بروز الخلافات التهديد بتشكيل حزب أو الخروج من الجماعة، ولكن يظهر أن من يريد أن يخرج من الجماعة يريد أن يأخذها معه وهذا أمر غير ممكن على الصعيد العملي وغير منطقي على الصعيد الفكري، إذا ارتأت مجموعة بأنها لم تعد تنسجم مع الأفكار التاريخية للجماعة فعليها أن تذهب وترخص حزبا وتتخذ مسارا آخر دون مناكفة، إذ إنه من غير الممكن الطلب من فريق آخر أن يتنازل عن الجماعة ويتركها".

وسجل أبو هنية أن "باعتقادي ليس شيئا صحيا على الإطلاق للجماعة، ففي النهاية جماعة الإخوان لم تعد هي الجماعة التاريخية التي كانت تدير خلافاتها بشكل من التعايش، إذ أصبحت هذه الاختلافات بارزة وواضحة تتدحرج وتنتشر ووصلت إلى ما وصلت إليه، وأعتقد أنه يصعب التوسط وبالتالي الوصول إلى صيغة توافقية داخل الجماعة، باعتقادي، أمر مستحيل وغير ممكن".

سطوة وأياد حكومية

وترافقت الخلافات الداخلية في الجماعة مع تضييق وتدخلات حكومية في أعمالها كان أبرزها رفع الغطاء القانوني عن الجماعة، من خلال قرارات رسمية نافذة، على أكثر من صعيد، وتثبيت المشروعية القانونية للجمعية التي أسسها عبد المجيد الذنيبات واعتبارها الوريث القانوني للجماعة.

ويأتي في سياق التضييق على الجماعة، اعتقال نائب المراقب العام زكي بني ارشيد في سابقة ليس لها مثال في تاريخ الجماعة، واستمرار الحكومة بالسيطرة على مؤسسات الجماعة التي بنتها عبر عشرات السنين، وفي مقدمتها جمعية المركز الإسلامي، ومنع الجماعة من إقامة فعالياتها وإغلاق استديو البث المباشر في فضائية اليرموك.