نشرت صحيفة لوموند الفرنسية تقريرا حول الأسباب الحقيقية لتحول العديد من
الشباب إلى العنف والتطرف، اعتبرت فيه أن المشكلة الأساسية ليست أبو بكر البغدادي وأتباعه، وإنما هي ثورة الشباب على مجتمعاتهم، وأن مقاومة الإرهاب تبدأ من فهم أسباب هذه الثورة.
وقالت الصحيفة، في تقريرها الذي ترجمته "عربي21"، إن
تنظيم الدولة يعتمد على رصيد من الشباب المتطرف الفرنسي، في تنفيذ عملياته، فالتنظيم لم يرسل مقاتليه للقيام بعمليات إرهابية في
فرنسا، بل اعتمد على مواطنين فرنسيين.
وقالت الصحيفة إن هؤلاء الشبان يتخذون هذا الموقف المتطرف؛ بسبب معارضتهم للسياسات الغربية في الشرق الأوسط، ولذلك ينتظرون أي فرصة ليوقّعوا بالدم على ثورتهم الشخصية، وبالتالي، فإن سحق تنظيم الدولة لن يغيّر شيئا من الأوضاع الاجتماعية لهذا الجيل.
كما اعتبرت الصحيفة أن تنظيم الدولة يتصف بالانتهازية، ففي الماضي القريب كان مقاتلوه يقفون مع "القاعدة"، وقبلها كانوا مع الجماعات الإسلامية المسلحة في الجزائر، ومن البوسنة إلى أفغانستان مرورا بالشيشان، وغدا سيقاتلون تحت أي شعارات أخرى إذا كان الموت أحد تلك الشعارات.
وذكرت "لوموند" أنه منذ سنة 1996 ظلت فرنسا تواجه ظاهرة تحول بعض الشباب من مسلمي فرنسا نحو
التطرف، وهم ينقسمون إلى صنفين: الجيل الثاني من أبناء المسلمين، والفرنسيين المعتنقين حديثا للإسلام، حيث إن نسبة "الإرهابيين" من المتحولين للإسلام، كانت حتى سنة 1990 تقدّر بـ25 في المئة.
وأضافت الصحيفة فائلة: "بالتالي فإن المشكلة الحقيقية بالنسبة لفرنسا ليست "أبو بكر البغدادي" مدّعي الخلافة، الذي سيتلاشى هو وتنظيمه كسراب طال الزمان أو قصر، ولكن المشكلة في ثورة الشباب على مجتمعه، والبحث الحقيقي يجب أن يكون حول أوضاع هؤلاء الشباب".
وبحسب الصحيفة، فإن المشهد العام في فرنسا تسيطر عليه قراءتان: الأولى تقول إن ثورة الشباب المسلم تدل على أن الإسلام عاجز عن الاندماج مع المجتمعات، ما دامت هناك نصوص قرآنية تدعو للجهاد، حسب زعم هؤلاء.
أما القراءة الثانية فتتحدث عن تبني ذلك الشباب لمعاناة آبائه، خاصة معاناة ما بعد الاستعمار الغربي للبلدان الإسلامية، ونهب ثروات تلك المستعمرات، وإهانة سكانها، إلى جانب قضية الشعب الفلسطيني والتدخل الغربي في منطقة الشرق الأوسط، وبالتالي لن تهدأ ثورة ذلك الشباب حتى يتم حل النزاع الفلسطيني الإسرائيلي، بحسب الصحيفة.
لكن مهما كانت الأسباب فالنتيجة واحدة، فلئن كان التطرف عملية مهيكلة، فإنه لم يصل إلا للقلة القليلة من مسلمي فرنسا، ذلك أن أغلب من قاموا بعمليات إرهابية كانوا تحت رقابة السلطات الأمنية، مسجلين ضمن قائمة العناصر الخطيرة في وزارة الداخلية.
وتتساءل الصحيفة عن سبب غياب الجيل الثالث من المسلمين عن قائمة الإرهاب، وعن كيف لمعتنق الإسلام حديثا أن يتبنى معاناة مسلمي العالم الثالث، ليخلص التقرير إلى أن المشكلة ليست التطرف الإسلامي، بل أسلمة التطرف.
وأفادت الصحيفة بأن بعضا من الجيل الثاني لمسلمي فرنسا فضل القطع مع ثقافة آبائه ومع التقليد الأعمى، وهو يرفض الاندماج في ثقافة الغرب، رغم أنهم كبروا بين أحضانه، وربما تكلموا الفرنسية أفضل من آبائهم. كما أنهم تربوا على الثقافة الغربية، وتعايشوا مع أقرانهم، وشربوا المسكرات والمخدرات، ورقصوا في الملاهي الليلية مع الفتيات، كما أن أغلبهم مرّ على السجون لارتكابهم جرائم لا تمت للإسلام بصلة.
ولكن بين ليلة وضحاها اعتنقوا الفكر السلفي، بحسب الصحيفة، هذا الفكر الذي يرفض مبدأ الانفتاح، ويدعوا إلى إعادة بناء الشخصية من جديد، بعيدا عن ثقافة الآباء أو الثقافة الغربية، لينمو داخل ذلك الشباب كره للذات ولما حصّله طيلة حياته، كما تقول الصحيفة.
وأشاد التقرير بالتجربة التركية، حيث إنه لا يوجد الكثير من الأتراك بين صفوف تنظيم الدولة، على عكس دول شمال أفريقيا، ذلك أن تركيا أمّنت الانتقال الثقافي بين الأجيال، فأسست معاهد وكوّنت أئمّة لهذا الغرض.
كما لاحظت الصحيفة أنه بعد كل عملية إرهابية تعلن الصحف والأخبار أن الإرهابي لم يكن من الذين يرتادون المساجد، أو تظهر عليه علامات التدين أو الورع، بل على العكس ربما كان من الشباب المدخن والمتعاطي للمخدرات ومرتادي الملاهي والمراقص.
فلا أحد من هؤلاء الشباب اعتنق الإسلام عن فهم، فصلى وصام وقرأ وبحث في العلوم الإسلامية، فلا أحد منهم يهتم بالروحانيات أو حتى بحقيقة الجهاد أو بطبيعة الدولة الإسلامية الموعودة.
وفي الختام، قالت الصحيفة إن الجيل الثاني يمارس الإجرام تحت مسمى الإسلام، أما المعتنقون للإسلام حديثا، فهم يرفعون راية الإسلام، ويريدون أن يثبتوا أنهم "مسلمون أكثر من المسلمين".