لم تعد تصريحات جبران باسيل وزير الخارجية عن التيار العوني في لبنان صالحة للمتابعة، وقد فقدت قدرتها على استفزاز المسلمين بعدما وصلت مؤخرا إلى الدرك الأسفل من العنصرية، فأصابها ما يصيب بائعات الهوى المُزمنات والمتعريات على قارعة الطريق من ضعف الإغراء.
خلال لقائه أبناء الجالية اللبنانية في بيتسبرع بولاية بنسلفانيا قال باسيل "إن منح المرأة اللبنانية المتزوجة من أجنبي جنسيتَها لعائلتها مرتبط بإرادة سياسية، والخوف من منح الجنسية مرده إلى وجود عدد كبير من اللبنانيات المتزوجات من فلسطينيين، ما ينذر بخلل في التوازن بين المسلم والمسيحي إذا أُقر القانون، وهذا التوازن يعني فرادة لبنان، والإخلال به يعني الفشل في دورنا كجسر بين الإسلام والمسيحية"... علما أن رئيس لجنة الدفاع الوطني النيابية سمير الجسر، يؤكد أن هناك حوالي أربعة آلاف امرأة لبنانية فقط متزوجة من فلسطيني، ولا يُعقل بذريعة منع التوطين حرمان عشرات آلاف اللبنانيات من هذا الحق البديهي.
تصريحات جبران باسيل لا تستحق التعليق أو استدعاء أرشيف إسهامات عمه والد زوجته المفكر ميشال عون في تمتين "الجسر بين الإسلام والمسيحية"، أكان مما تسرب سابقا عبر ويكيليكس أو مما يسمعه الناس مباشرة من حواضر لسانه المتزنر دائما بالديناميت، أو من السم الذي يرشح باستمرار من وسائلهما الإعلامية العائلية. لكنها تصريحات توجب التذكير بإجماع الفلسطينيين على موقف ثابت يرفض التوطين، وهم إذا تخلوا يوما أو بعضهم في ساعة غفلة عن حلم العودة إلى الديار، فحتما لن يكون البديل بلدا يتميز دون سائر بلاد الله بوجود وزارة في حكوماته المتعاقبة منذ ربع قرن اسمها وزارة المهجرين، تُعنى بالسعي لإعادة من هجرتهم الحرب الأهلية ورموزُها من قراهم وبيوتهم، ولميشال عون حصة الأسد في تهجير المسيحيين خصوصا، الذين هربوا منه إلى جليد كندا عندما شقّ الجيش والبلاد إلى جزأين، وأعلن مطلع عام 1990 حرب الإلغاء على تنظيم القوات اللبنانية بقيادة سمير جعجع وكل من يعارضه داخل الساحة المسيحية.
فالفلسطيني الذي رفض ويرفض استبدال القدس ببرلين عاصمة الصناعة والرياضة والثقافة، لن يستبدلها ببيروت اليوم التي تتزين بنفاياتها المنزلية والسياسية وتفصل بين مكوناتها خطوط تماس طائفية ومذهبية وجهوية بالنيابة عن محاور إقليمية.
والفلسطيني الذي رفض بيع هويته الوطنية بهويات الأمريكتين لن يشتري بها هوية الشعبين، بل الشعوب اللبنانية الثمانية عشر (على عدد الطوائف).
والفلسطيني الذي يقدم نخبة شبابه على مذابح الحرية والاستقلال في الضفة وغزة، لن يحلم بأن يصبح جزءا من حروبنا الداخلية القذرة في لبنان.
والفلسطيني الذي تحمل إذلال العنصرية اللبنانية ليبقى قرب فلسطينه ليس مبتهجا ببلاد تتفوق الصومال عليها في إنتاج الطاقة الكهربائية، وتتقدم في الفساد على جمهورية إفريقيا الوسطى.
يخاطر عشرات اللبنانيين يوميا بحياتهم وحياة أطفالهم على متن ما توصَف بقوارب الموت في هجرة غير شرعية إلى أوروبا، ليمزقوا جوازات سفرهم اللبنانية عند حدودها ويدّعوا بأنهم سوريون هاربون من جحيم الحرب، فيما يتدلع بعض صغار السياسة في لبنان بشوفينية مقززة مخالفة لأبسط حقوق الإنسان، وتُذكر بالمثل الشعبي الذي يقول "العنزة الجربانة لا تشرب إلا من رأس النبع".