الانتخابات البرلمانية المبكرة في تركيا ستجرى في الأول من تشرين الثاني/ نوفمبر المقبل في ظل الأوضاع الأمنية والهجمات الإرهابية التي يقوم بها حزب العمال الكردستاني ضد القوات التركية في المحافظات الشرقية، ويراقب الشعب التركي الذي سيقول كلمته بعد عشرة أيام جميع هذه التطورات والحملات الانتخابية بصمت.
رئيس الجمهورية التركي رجب طيب أردوغان، اتخذ قرار إجراء الانتخابات المبكرة، بناء على الصلاحية التي يمنحها له الدستور، وجاء هذا القرار كمحاولة لإخراج البلاد من الأزمة السياسية وحالة الغموض التي دخلتها بعد فشل المباحثات التي أجريت بين حزب العدالة والتنمية من جهة وحزب الشعب الجمهوري وحزب الحركة القومية من جهة أخرى، من أجل الوصول إلى تفاهم لتشكيل حكومة ائتلافية.
ولكن السؤال الذي يطرح نفسه قبيل هذه الانتخابات الهامة هو: "هل ستخرج نتائج الانتخابات البلاد من الأزمة؟".
استطلاعات الرأي تشير إلى ارتفاع في شعبية كل من حزب العدالة والتنمية وحزب الشعب الجمهوري وتراجعٍ في شعبية كل من حزب الشعوب الديمقراطي وحزب الحركة القومية. وبدأت النسبة التي يمكن أن يحصل عليها حزب العدالة والتنمية من أصوات الناخبين في الانتخابات المبكرة ترتفع نحو 44 بالمائة، في مقابل تراجع النسبة التي يمكن أن يحصل عليها حزب الحركة القومية إلى 15 بالمائة.
إن لم يفاجئ الناخبون الأتراك الرأي العام في الأول من تشرين الثاني/ نوفمبر المقبل، فمن المؤكد أن حزب العدالة والتنمية سيحصل على عدد من المقاعد أكثر مما حصل عليها في الانتخابات الأخيرة، ولكن هذا العدد قد يصل إلى 276 مقعدا ليتمكن من تشكيل الحكومة وحده أو يقل عنه ليضطر للتحالف مع أحد الأحزاب الأخرى الممثلة في البرلمان لتشكيل حكومة ائتلافية، ما يعني العودة إلى المباحثات مع المعارضة لجولة جديدة.
نتائج استطلاعات الرأي الأخيرة تظهر أيضا ارتفاعا في شعبية حزب الشعب الجمهوري، وهذا الارتفاع يعود إلى الأصوات التي ذهبت من حزب الشعب الجمهوري إلى حزب الشعوب الديمقراطي في السابع من حزيران/ يونيو الماضي ليتجاوز هذا الأخير حاجز الـ10 بالمائة. وبدأت تلك الأصوات التي تسمى في الأوساط السياسية والإعلامية "الأصوات المستعارة"، ترجع مرة أخرى إلى حزب الشعب الجمهوري، وسط نداءات يطلقها قادة حزب الشعب الجمهوري لأنصاره تدعوهم إلى عدم التصويت في الانتخابات المبكرة لحزب الشعوب الديمقراطي الذي لم يعد الآن بحاجة إلى مزيد من الأصوات لتجاوز الحاجز الانتخابي.
حزب الشعوب الديمقراطي الذي تراجعت شعبيته بشكل طفيف، ما زال يمارس الضغوط على الناخبين في المحافظات الشرقية ذات الأغلبية الكردية ويهددهم عن طريق عناصر حزب العمال الكردستاني. وكانت هناك مطالب بنقل الناخبين يوم الانتخابات من بعض القرى والأرياف والمناطق المضطربة إلى مراكز الاقتراع في المدن لسلامة إجراء الانتخابات وحتى لا يستطيع حزب العمال الكردستاني أن يضغط عليهم ويهددهم بالقتل والخطف وحرق البيوت في حال صوَّتوا لصالح أي حزب آخر غير حزب الشعوب الديمقراطي.. إلا أن اللجنة العليا للانتخابات رفضت هذه المطالب واختارت تسهيل مهمة حزب العمال الكردستاني في ممارسة الضغوط على الناخبين والمراقبين.
وأما تراجع شعبية حزب الحركة القومية في استطلاعات الرأي الأخيرة فيعود غالبا إلى رفض رئيسه دولت باهتشلي التحالف مع حزب العدالة والتنمية لتشكيل حكومة ائتلافية بعد الانتخابات الأخيرة. ويبدو أن باهتشلي لاحظ الهروب الجماعي للأصوات من حزبه إلى حزب العدالة والتنمية، ولذلك فهو يشدد في خطاباته الأخيرة على أن حزب الحركة القومية لم يرفض المشاركة في الحكومة، بل إن حزب العدالة والتنمية هو الذي رفض شروط حزب الحركة القومية. إلا أن هذه المحاولة قد لا تنجح في إقناع الناخبين الغاضبين، لأن الجميع يعرف أن شروط حزب الحركة القومية كانت تعجيزية كما أن تصريحات باهتشلي كانت متناقضة.
المزاج العام في المجتمع التركي لا يريد أزمة سياسية تؤدي في النهاية إلى أزمة اقتصادية تمس بمستوى معيشته ولا يفضِّل حكومة ائتلافية، وليس هناك خيار لتحقيق ذلك غير حصول حزب العدالة والتنمية على عدد من المقاعد في البرلمان يكفيه لتشكيل الحكومة وحده، وهذا يتطلب من الناخبين الغيورين على أمن تركيا واستقرارها، وكذلك من الغيورين على جيوبهم ومصالحهم الاقتصادية، تغليب مصلحة البلاد على الأيديولوجية والقومية والمصالح الحزبية الضيقة.